أجمع النقاد المشاركون فى مناقشة رواية "عناق عند جسر بروكلين" للدكتور عز الدين شكرى فشير، على أنها حققت معدلاً كبيرًا فى طرح التساؤلات العديدة حول علاقة الشرق بالغرب، وتدفع القارئ بدورها إلى طرح العديد من التساؤلات أيضًا خلال تنقله مع أبطال الرواية.
جاء ذلك خلال الندوة التى عقدها المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع دار "العين" والتى صدرت عنها الرواية، مساء أمس، الأحد، الثالث عشر من نوفمبر الجارى، وشارك فى مناقشة الرواية التى وصلت للقائمة الطويلة لجائزة "البوكر" للرواية فى نسختها العربية، ودورتها الخامسة، كل من الناقد الدكتور صلاح فضل، رئيس الجمعية المصرية للنقد الأدبي، والناقد الدكتور حسام عقل، والشاعر والناقد شعبان يوسف، وأدار الندوة الدكتورة فاطمة البودى، صاحبة دار "العين"، وبحضور وزير الثقافة الدكتور عماد أبو غازى، والدكتور شاكر عبد الحميد الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والمؤلف الدكتور عز الدين شكرى فشير، الأمين العام للمجلس للثقافة سابقًا.
وقال صلاح فضل خلال متابعتى لإبداع "عز الدين" – قبل معرفتى به - اكتشفت أنها تحمل طاقة خلاقة فى التخيل والقدرة على السرد وإمكانية هائلة على تأمل الواقع وتوثيقه وتعميه، وصناعة قدر هائل من الوعى، ودهشت عندما وجدت شابًا عرفت بالصدفة أنه يعمل بالصدفة فى السلك الدبلوماسي، وفى الحقيقة فإن علاقتى بهم ليست حسنة، فهم لا يعمقون فكرهم ولا يضعون نصب أعينهم أنهم يملكون فرصًا نادرة جدًا، ولهذا اندهشت وأنا أقرأ أعمال "شكرى" وأكتب عنه دون معرفة شخصية به، فهى كتابات تكشف ما لا تكشف أعمق الدراسات الاجتماعية بلمسة براعة تصور قطاع كبير من المجتمع، هو يبنى متخيله بعد امتلاك كمية من المعلومات هائلة، وقلت لنفسى إما أن يكون عميلاً للمخابرات، أو أنه يأخذ مشروعاته الإبداعية كأنها رسالة دكتوراه يتفرد بها فى البحث.
وأوضح "فضل" أن ما يميز "عناق عند جسر بروكلين" تلك الجرأة فى اختيار عالم المصريين المغتربين، والتقنية السردية التى وصفها على أنها مغامرة حقيقة وكيفية بناء الرواية طبقًا لما يسمى بـ"حزمة الضوء المكثفة"، مشيرًا إلى أن الرواية تتضمن ثمانية رواة يحكون ثمانية روايات عن شخصيات لا يربطهم ببعض، ضبط إيقاع اللغة، من الرائع أنه دبلوماسى يقتن اللغة الأجنبية، ولكن لغته العربية رائعة.
وأوضح حسام عقل أن بطل الرواية يمثل حالة خاصة من التعامل مع النموذج الغربي، فهو تأقلم مع هذا النموذج، بعدما خرج من مصر ناقمًا عن السلك الأكاديمى، ونجح فى الغرب على المستوى العلمى ولكنه ليس على المستوى الإنسانى، وأن الكاتب نجح بلجوئه إلى صيغ وأساليب الاستفهام فى تحقيق معدل كبير من التساؤلات حول الشرق والغرب، وهى بدورها تدفع القارئ إلى طرح تساؤلات أيضًا خلال مصاحبة المؤلف له، مشيرًا فى نفس السياق إلى أن إحدى صفحات الرواية تضمنت سبعة عشر سؤالاً.
وقال شعبان يوسف أنه من خلال خبرته الثقافية لأول مرة يجد عملاً روائيًا يتناول شخصية الإرهابى مثلما تناولتها رواية "عناق عند جسر بروكلين" وأن يكون، الإرهابى، الأكثر سعادة لو أن كان كل من فى برجى التجارة العالمى لاقوا حتفهم.
وأوضح شاكر عبد الحميد خلال مداخلته فى نهاية المناقشة أن شخصيات الرواية منعزلة وغير متحققة ولا تصل إلى هدفها وتسعى إلى التحقق والاكتمال، وتحاول أن تجد غايتها فى الآخر، وهذا الآخر دائمًا ما يظهر ويختفى، وأن الرواية تطرح تساؤلات ذات الحس الفلسفى والميتافيزيقى والتجسيد للمتاهة الإنسانية والشخصيات التى تتطلع وتتشوق ولكنها لا تلتقى وإن حدث تفترق، ووحشة الوجود وحنين إلى الآخر والوطن ولحظة أخرى، وأن هذه الشخصيات على الرغم من أنها تصل إلى هدف واحد وهو "درويش" لا تصل إليه ولا يصل "درويش" إليه، مضيفًا "أرى أن هذه الرواية علامة من علامات ما بعد الحداثة فالنص مفتوح والشخصيات متعددة الأبعاد والتهكم".
ودعا "عز الدين" الحاضرين خلال تعليقه على المناقشة بالنظر إلى الرواية بتساؤلات أخرى على حد وصفه "بتقليب الرواية" وعدم وضعها فى إطار سياسى، طارحًا تساؤلات مثل: من الذى أنقذ "رامى" أشقيقه أم "مارك"؟، وهل "مارك" هو الذى أغلق على نفسه فى المجتمع أم العكس؟، وهل "سلمى" توهمت أن الأربع أشخاص فى محطة القطار عدائيين أم أنهم كذلك؟.