تسيطر حالة من القلق على الأوساط السياسية مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية من عودة فلول الحزب الوطنى المنحل إلى المقاعد التى تركها بعد انهيار نظام مبارك وحل المجالس النيابية على يد المجلس العسكرى.
ففلول النظام السابق أصبحت كالشبح الذى دائما ما يقترن ظهوره بحدوث أزمات وكوارث فى مصر تؤدى إلى تعطيل حركة الإنتاج وتهديد مسيرة الثورة وزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى وتكدير الأمن العام وترويع الآمنين.
فمنذ معركة الجمل وأعضاء الحزب الوطنى المنحل يدبرون فى الخفاء مخططا للحيلولة دون تحقيق أى من المبادئ التى قامت من أجلها تلك الثورة المجيدة حتى يترحم السواد الأعظم من شعب مصر على حقبة حكم مبارك.
ويعتمد قادة الحزب الوطنى المنحل على خبرات واسعة فى التخريب وأعمال البلطجة واستخدام العنف والابتزاز وتزييف الحقائق والتلون بمائة لون كالحرباء، وقد حققوا نجاحات هائلة بعد انهيار نظام المخلوع فى نشر بذور الفوضى وزعزعة جنبات المجتمع المصرى حتى يظهر شعب مصر العظيم أمام العالم وكأنه عصابات بربرية متخلفة لا تعى الديمقراطية وحرية التعبير واحترام الآخر ولا يمكن أن تحكم إلا بيد من حديد ونار.
فكادت مصر أن تقع فى أزمة دبلوماسية مع دولة تونس الشقيقة فى أعقاب أحداث لقاء كرة القدم الذى جمع الزمالك المصرى والأفريقى التونسى فيما عرف إعلاميا بموقعة الجلابية ثم أزمة اقتحام السفارة الإسرائيلية وإشعال نار الفتنة الطائفية التى أسفرت عن حوادث مؤسفة وإحداث وقيعة بين الشرطة والشعب، بل وبين الجيش والشعب ناهيك عن الإضرابات والاعتصامات الفئوية التى طالت كل القطاعات الاقتصادية فى البلاد.
وقد استفادت جماعة مبارك المحظورة كثيرا من تناحر القوى اليسارية والليبرالية مع القوى الإسلامية فى صراعهم على السيطرة على مقاليد الحكم وعدم اكتراثهم بصالح الوطن من أجل تصدر المشهد السياسى، وفشلهم فى إيجاد الحلول لعودة الاستقرار معلقين هذا الفشل على شبح الفلول.
وعليه فقد طالبت أغلب القوى السياسية بسن قانون عزل سياسى لحرمان فلول الوطنى من الترشح للانتخابات القادمة وهو ما يعتبرونه الحل الأمثل للقضاء فعليا على فلول الحزب الوطنى.
ولكن هل لو فعل هذا القانون فهل سيصبح حلا جذريا بالفعل للقضاء على الفلول؟.
بالطبع لا فالديمقراطية لا تتجزأ ولو تم مصادرة رأى الشعب فما الفرق إذا بين حكم الثورة وحكم مبارك، وإذا كان الحزب الوطنى تم حله وسقط كبار قياداته، فماذا عن قيادات صفه الثانى والثالث غير المعلومين للشعب، والذين سيخوضون المعركة الانتخابية بدعم مادى ومعنوى كبير من كبار قيادات الحزب الوطنى المنحل، بالإضافة إلى اعتماد الكثير منهم فى الأقاليم على العصبيات القبلية، بل والأخطر من ذلك هو قيام العديد من فلول الوطنى المنحل بتصدر قوائم أحزاب الثورة الوليدة، ولذلك فعلينا أن نعترف أننا سنواجه غولا من الفلول فى الانتخابات البرلمانية القادمة، يجب أن نعد له العدة لكشف مخططاته الخبيثة أمام العامة.
فحل هذه المشكلة لا يتم بعزل سياسى، ولكن بحملات منظمة لمكافحة ألاعيب الفلول المتمثلة فى شراء الأصوات واستغلال جهل البعض بجرائم الحزب الوطنى فى حق هذا الشعب فيما يسمى بالعزل الشعبى.
وقد انطلقت حملات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعى لعل أبرزها "امسك فلول" وتعد هذه الحملات هى أحد الحلول لمواجهة هذا الشبح، فشعب مصر يجب أن يعلم أنه الآن سيد قراره، فصوته سيصل وسيختار بمحض إرادته من سيمثله فعليه أن يحسن الاختيار وأن يكون صوته صوتا حرا لا يشترى بمال أو وعد وعلى الشعب أن يغلب المصلحة العامة على الخاصة فهذا هو الاختبار الحقيقى لمدى نجاح الثورة فى إحداث التغيير فى نفوس الشعب المصرى عن طريق الصندوق دون الوصاية ويكون معيار الاختيار هو البرنامج لا الاسم.
أعتقد أن هذه هى التركيبة السحرية للقضاء على الفلول فمن المستحيل أن يحقق أذناب الحزب الوطنى أى نجاح فى مجتمع لا يشترى صوته بالمال ويعى جيدا لروح الثورة ودم الشهيد الذى سال من أجل إسقاط الفساد الذى كان هو أحد أهم أضلاعه.
