د. رضا عبد السلام

يا عزيزي.. كلنا فلول!!

الأحد، 13 نوفمبر 2011 10:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من كان يتخيل أن تتحول ثورتنا البيضاء، والتى أبهرنا بها العالم، شيئاً فشيئاً إلى كابوس مرعب، وأن يتحول الحلم إلى سراب، الآن، وبعد مضى أكثر من عشرة أشهر على قيام الثورة، راحت السكرة وجاءت الفكرة، علينا أن نركز ملياً وأن نحاول تقييم ما يجرى يومياً على أرض مصر وعلى الأصعدة كافة، سندرك أننا كلنا – وبحق – فلول.. وذلك على وزن اسم فيلم "يا عزيزى كلنا لصوص".

تابعنا جميعاً حكم إحدى محاكم مجلس الدولة بمدينة المنصورة والذى قضى باستبعاد أعضاء الحزب المنحل من الترشح لانتخابات مجلس الشعب، مؤكداً أن الحكم ليس نهائياً، ولكن المؤكد أيضاً أن ردود الفعل لن تكون حميدة، فقد ترشح المئات ممن يطلق عليهم فلول النظام السابق فى مختلف محافظات مصر، ويحظون بشعبية جارفة!! ولهذا ندعو الله أن يسترها على مصر.

علينا أن ندرك أننا جميعاً تربينا وترعرعنا فى كنف النظام السابق الفاسد، وارتوينا وغرقنا فى موبقاته وأوحاله بشكل أو بآخر، ألم يفسد نظام مبارك كل شىء؟ هل ترك هذا النظام شيئاًً واحداً على براءته فى بر مصر؟! لقد أفسد المأكل والمشرب والملبس، ليس هذا فقط، بل أفسد قيماً وموروثات وعادات عظيمة لطالما تغنينا بها، وترك لنا فى المقابل شعباً خاوياً، وغارقاً فى المفاسد، لقد أفسد نظام مبارك الإنسان المصرى وأفرغه مما كان يحمله من قيم عظيمة، لطالما تغنينا بها.

أعلم أن البعض سيصمنى بكونى أركز على الجزء الفارغ من الكأس، لكن، وفى رأيى المتواضع، أعتقد أن علينا أن نتوقف عن خداع أنفسن فإن فالفلول ليسوا فقط من كانوا ينتسبون إلى مؤسسات النظام البائد، وإلا بماذا نصف الآلاف المؤلفة والملايين فى مختلف ربوع مصر وهم يقفون خلف رموز النظام البائد (الفلول) داعين إياهم لتمثيلهم فى البرلمان؟! بماذا نصف هؤلاء المتبارين فى حلبة الانتخابات وهم على استعداد للتضحية بالغالى والنفيس من أجل دخول البرلمان، ويمارسون نفس ممارسات النظام البائد، رغم عدم دخولهم ضمن التفسير الحرفى لكلمة فلول؟! بماذا نَصِفُهم إذاً؟

فى اعتقادى أن وصف فلول جدير بأن ينطبق على كل من تجرع سموم النظام البائد وغرق فى أوحاله، إذا ما أعملنا هذا التفسير المنطقى، سندرك أننا جميعاً فلول إلا من رحم ربى، لأننا ببساطة تركنا جميعاً قيم الثورة ومبادئها، وتدافع كل منا للمطالبة بحقوقه (المطالب الفئوية) أو لكسب أرض جديدة وتهيئة المسرح لتغييب أهل مصر من جديد، بمفاهيم وأساليب ونكهة مختلفة. المهم هو أن مصر غائبة تماماً عن المشهد. ولهذا لم يكن غريباً أن تتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية...إلخ، حتى كدنا نفقد البوصلة ونضل الطريق.

ربما يبادر البعض بالقول، وبما تفسر نجاح الثورة خلال أيامها الأولى؟ ألا يتعارض هذا النجاح مع وصفك لنا جميعاً بكوننا فلول؟! وهنا أرد بالقول بأن الشباب – وهم الغائبون تماماً عن المشهد الآن – أشعلوا شرارة الثورة، لأنهم هم من اكتوى بنار البطالة والتجاهل فى وقت شاهد التقدم (عبر وسائل الاتصال الحديثة) فى باقى بلاد الله. ولكن نجاح الثورة خلال أيامها الأولى كان وليد اندفاع شعب جائع، أرهقه الفقر والمرض، ولهذا التف الشعب حول الشباب فنجحت الثورة فى أيامها الأولى، ولكن شيئاً فشيئاً أفقنا من الحلم على كابوس مرعب، فقد أدركنا أننا - نحن المصريون بواقعنا المرير – نشكل أبرز عقبة أمام نجاح الثورة وأمام تمكين مصر من العبور بسلام، لقد ترك لنا النظام البائد شعباً يغرق فى الفقر والجهل والأمية (بكافة صورها).

انظر إلى المارة فى شوارعنا اليوم، وستدرك أنه تم تجريف الإنسان المصرى، فلا يمكن أن تقارن مصرى اليوم بمصرى الخمسينات أو الأربعينيات من القرن المنقضى، ما نراه فى شوارعنا اليوم شبه إنسان، أو إنسان مهزوم، هزمته الهموم وهزمه المرض والفقر والجهل إلا من رحم ربى.

ما نراه اليوم شباب التوك توك، والدراجات النارية بمناظرهم المخيفة، وأصوات الكاسيتات التى تكاد توقظ الأموات دون مراعاة لحاجة مريض أو طفل إلى الهدوء، فهؤلاء ليسوا قلة، وانتشروا فى شوارعنا انتشار النار فى الهشيم، فمن أين أتوا؟ إنهم يمثلون جانباً من التركة الثقيلة التى تركها لنا نظام مبارك.

ولهذا، اعذرنى عزيزى القارئ فى القول، إنه من الخطأ قصر وصف فلول على من انتسب لمؤسسات النظام البائد، ولكن واقعنا يثبت يوماً بعد يوم بأننا جميعاً فلول، وإن لم ننتسب لمؤسسات نظام مبارك، نحن فلول بجهلنا وبغبائنا، ومشكلتنا أننا غرقنا فى الحلم بعد الثورة، وتناسينا أو لم ندرك أن التركة ثقيلة، وأن الأمر لو تعلق بفلول النظام البائد فقط، لما كانت هناك مشكلة، ولهذا علينا نهبط إلى أرض الواقع ونجتهد لبناء الإنسان المصرى من جديد، وأن نبادر لتقويم الاعوجاج وإصلاح ما فسد من مكونات شخصيته. لاشك أن الرحلة طويلة ولكن علينا أن نبدأ من الآن لتطهير الإنسان المصرى من آثام وموبقات الماضى. فبالعلم والثقافة والوسطية سنضمن مضى مصر بشعبها نحو التقدم، والله الموفق.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة