العسكرية أو الجندية صفة غير كل الصفات، لا يتصف بها سوى أناس من خلق الله حباهم بها، إما بسالة ودفاعا عن كلمة الحق ودعوة الحق أو حباهم بها فتنة، ليزدادوا ظلما وعلوا واستكبارا فى الأرض والأفضل ولاشك هو أولى الخيارين ألا وهى البسالة لأن تكون كلمة الله هى العليا، لذا كان القول الفصل ما قاله المولى عز وجل فى كتابه العزيز:ـ
"وَلَوْلا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِى عَزِيزٌ"، لذا فإن هذه المزية المتفردة تراوح مكانها وحضورها بين من تملك الخير فى نفسه وبين من تملك الشر منها، وسيظل هذا الصراع أو ذاك الحضور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لعلنا فى هذا المقام نذكر ما قاله عملاق الأدب الراحل عباس محمود العقاد، حين اختار (الجندية) مفتاحا لشخصية الإسلام الخالدة الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فقال بأن أهم صفات طبيعة الجندى المثلى: الشجاعة، الحزم، الصراحة، الخشونة، الغيرة على الشرف، والنخوة، والنظام، والطاعة، وتقدير الواجب، وحب الإنجاز.
فأين إذن هذه الصفات وطلبات الديمقراطية الثائرة من الإلحاح فى التغيير والنقاش وعدم الانضباط كثيرا، وكأنها أو هو كذلك قد ارتدت لباس القائد الأعلى فتطلب ما تطلب ويجب أن تطاع !!، بينما العسكرية أو الجندية لا تعرف قائدا أعلى إلا من جلدتها وخبراتها، وهنا مناط الصراع.
ويذكر لنا أديبنا الراحل خروجا من هذا الصراع وهو يستعرض كيف كانت (الجندية) مفتاحا لشخصية عمر بن الخطاب، أنه وإن كانت الجندية تمنع التمرد على القائد الأعلى وإنكار سلطانه حيثما استقر على قرار فإن تراجع فخير لا ضرر فيه وإذا مضى فلا ضرار والأهم هو الطاعة!
وهنا باب للمشاورة أو الديمقراطية بلغتنا، ويؤكد أن عمر بن الخطاب وهو الجندى المثالى كان يطيع إذا استقام الأمر ويراجع إذا اتسع مجال المراجعة، ويكفينا المثل الأشهر ومقولة الخليفة عمر: "أخطأ عمر وأصابت امرأة حين راجعته فى تحديد قدر المهور للنساء".
ومن خصال الجندى الغيرة وإلا لما كان لخلق الدفاع والبسالة مكانا فيه، والعدل فى الجندى هى شجاعة تحميه أن يحابى الأقوياء وتقوى من غيرته وبسالته، لذا فطلبات الديمقراطية بلغتنا لا تفقد الجندية شموخها ولا تنقص من عزتها بل ترقى وتنمو فى كنفها، وعليه فنحن ننظر للجندية أنها مظلة الأمن لمجتمع وتيرته المشورة واحترام الآراء على اختلافها، ولن يستقيم سلوكنا مع هذه الصورة التى نأملها إلا بالصبر والصبر الجميل بكل معنى الكلمة، ثم تحيتنا المخلصة لجيشنا الذى سيظل على شموخه وعزته والذى نطالبه أن يظل نموذج المظلة الآمنة دائما بعيدا عن شهوة فى الحكم أو التحكم، راعيا فقط لاختلاف الرأى فيما بيننا شاهدا ومؤمنا برأى الأغلبية.
محمد مسعد البرديسى يكتب: الجندية بين الشموخ وطلبات الديمقراطية
الأحد، 13 نوفمبر 2011 08:19 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد غيور
عاش جيش مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد كمال ابوالنجا
مقال رائع وشكرا للكاتب على التركيز على صفات الجندية الحقيقية
موجود فوق