لواء طيار متقاعد محمد كشك يكتب: ابنى والفساد

الأحد، 13 نوفمبر 2011 11:13 ص
لواء طيار متقاعد محمد كشك يكتب: ابنى والفساد صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحمد ابنى الأكبر شاب فى مقتبل العمر يغبطنى الكثيرون عليه، وأحسبهم فى قرارة نفسى على حق مجتهد، اختار دراسة القانون رغم استطاعته الالتحاق بإحدى الكليات التى يمنحها المجتمع وصف "القمة" طموح، لايفتأ منذ أنهى دراسته الجامعية بتقدير مرض على اجتياز العديد من الدورات، فى نمط متواز أو متتال لايهدأ ولا يمل، مثقف، استطاع فى تلك السن المبكرة - على بلورة رؤية خاصة به فى غالبية القضايا المطروحة، مهذب ومؤدب ومحبوب بشهادة الجميع، وفوق هذا وذاك لديه شهامة أولاد البلد، و"صاحب صاحبه".

مايحزننى من "أحمد" قناعاته حول فساد المجتمع
أنا أرى الفساد فى أقصى صوره مازال يمثل أقلية يمكن اقتلاع جذورها، طالما هناك تلك الأنماط الشريفة التى مازالت ترى فى مصلحة الوطن غاية تليها فى الأولويات أية مصالح أخرى، بينما يرى هو أن الفساد قد ساد وعلا وتوغل حتى أصبح نظام حياة، وعرف قارب على مرحلة التقنين، وأن الأنماط الشريفة التى أتحدث عنها هى أنماط استثنائية آخذة فى التلاشى والاندثار تحت وطأة ضغط الفساد والفاسدين.

أنا أرى أن الله عندما خلق الأرض، وخلق فيها أسباب الحياة، حرص – جل فى علاه – أن يكون الخير هو القاعدة والشر هو الاستثناء، وأن تكون الغلبة دائما للخير على الشر، وما رؤيتنا لشر قد عم أو فساد قد استشرى إلا تكبير لجزء من الصورة وإهمال لبقيتها بينما يرى هو أن الله – وكما ورد بالقصص القرآنى – كثيرا مايمدد لأقوام فى غيهم وفسادهم، حتى إذا حق عليهم القول أخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأن الزمان قد تميز بـ "شر" قد ساد، انتظارا لأخذ العزيز المقتدر.

المشكلة الحقيقية معه تظهر عندما تترجم قناعاته إلى أفعال كثيرا مايدخل معى فى جدال، ولوم، وتقريظ حول عدم استخدامى لوضعى الاجتماعى أو لمعارفى أو لأموالى من أجل تقريب البعيد أو تفعيل المستحيل، مؤكدا فى كل مرة أن هذا هو المسار الطبيعى لإنجاز الأعمال فى ذاك الزمان أحاول إفهامه أنى لا ألجأ إلى تلك الأساليب إلا إذا استدعت الضرورة، وضاقت السبل، لكن هيهات.

بالأمس القريب استفزنى بحوار- للمرة المائة - حول ضرورة تدعيم موقفه بـ(واسطة) للحصول على وظيفة من الوظائف المرموقة، كررت عليه ماسبق أن قلته مرارًا من أن موقفه قوى وأن ملفه جدير بأن يتحدث بالإنابة عنه وعنى، ومن ثم فلا داعى لأن نحمل أنفسنا جميلا من أحد، وذكرته بأن جده – رحمه الله – كان رجلا بسيطا أخذ بالأسباب فى تربيتنا ثم توكل على الله فكان حسبه، واستطعنا أن نفرض أنفسنا على المجتمع، كفاءة لا حسبا، واجتهادا لا نسبا.

تركته يرغى ويزبد وانصرفت بذهنى عنه مشفقا عليه وعلى أقرانه من جيله فمما لاشك فيه أنهم تربوا أطفالا وترعرعوا شبابا فى مناخ قاس لا يقيم وزنًا لقيم، ولا يحمل هما لدين، أما نحن فمازلنا نحمل فى طياتنا عبق الزمن الجميل فيه، وأن حظنا من القيم والمثل كان أوفر حظا منهم، حتى مظاهر الفساد توحشت على أيامهم، الرشوة بعد أن كانت تلميحا على أيامنا صارت تعريضا وتبجحا على أيامهم، استحلال المال العام، بعد أن كان مقصورا على صغار الموظفين، وبمبالغ أقرب للملاليم منها إلى القروش، صار متسعا ليشمل عليه القوم وأصحاب الشأن، وبمبالغ أقرب للمليارات منها للملايين حتى المدرسة، التى كانت منارة للعلم والتربية، والمدرس الذى كاد يكون رسولا على أيامنا، صارت سوبر ماركت للاستثمار يتخذه المدرسون مقرا للاتفاق مع زبائنهم لبيع مقتطفات من العلم فقط – دون التربية-(واللى مامعهوش مايلزموش).

عدت دراجى إلى "أحمد" ووجدته مازال كما انصرفت عنه، فازددت إشفاقا عليه، وازددت نقمة على من ظلموه وظلمونى وظلموا أجيالا بأكملها، ولا أحسبنى أقصد شخصا بعينه أو يوما بعينه، بل أقصد نظاما بأكمله خلال دهور بأكملها، وإذا كان النظام قد نهب أموالنا، فما أهونها من خسارة إذا ماقورنت بخسارة المجتمع لقيمه ومثله ومبادئه، خاصة إذا ما أصابت الخسارة كبد المجتمع، "أحمد" ورفاقه.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة