ماذا أقول؟ وعن أى شىء أكتب؟ عن اللبن الذى تم سكبه بفعل فاعل؟! عن بيت أبو جحا الذى خربوه وتمت تسويته بالأرض؟! عن حصان عنترة الذى ذبحوه وألقوه للكلاب الضالة بعد أن سخروه لجر عربة كارو فى حوارى العم سام؟! عن ليلى العامرية التى أجبروها على البغاء فى علب الليل وعن قيس الذى استبدلوا ذاكرته بأخرى ونصبوه قوادا لخدمة المومسات وزبائنهن؟! عن الليل والخيل والبيداء تنكرنى بعد أن عاديت الرجولة والنخوة والعزة والإباء؟! عن أى شىء أكتب؟ عن بلطجية صاروا القاعدة أما غير البلطجية فهم الاستثناء؟! عن طوفان أسود يزحف بقوة هائلة لن تجدى معه سفينة نوح ولا سد مأرب ولا السد العالى ولا سد الألفية؟!عن التفاؤل الذى عشته بعد ثورة يناير ،تفاؤل وصل حد التشاؤم ،تشاؤم عشته قبل الثورة ووصل حد التفاؤل؟!.
أأكتب عن أناس فقدوا عقولهم وراحوا يزاحمون الدواب على الأرض والطير فى أجوائه والسمك فى مائه، يزاحمونهم بلافتاتهم التى لا تستر عورة فتاة ضالة فى شوارع بلاد كانت للمحروسة، لافتات دعاية تسد عين الشمس وعيون كل الأجرام السماوية، دعاية من أجل كراسى هى تكايا فى نار جهنم، أى مقاعد يبحثون عنها؟ بينما هم يتزاحمون ويتصارعون من أجل جيفة قذرة، أقولها والحسرة تعتصرنى، ما الذى يغريهم فى هذه الكراسى؟ لأنها مسئولة عن إدارة أم الدنيا؟! البلاد التى لم تعد أم الدنيا ولا حتى ماشطتها ولا ماسحة حذائها؟! يتصارعون من أجل كراسى لا تساوى كراسى الحمام؟ لقد اكتمل سواد الصورة التى كنت أمنى النفس بأن البقع البيضاء سوف تصبح سيدة الموقف وسيدة الصورة فإذا بها تتقهقر وتنزوى وتدوسها نعال اللصوص المجرمين الذين نخشى أن نطالب بمحاكمتهم فيحاكموننا.
يتصارع المرشحون ليكون لهم شرف إدارة بلاد لم تعد بلادا، بلاد هى ساحة لاقتسام الغنائم، هى مولد وصاحبه أكلته الكلاب، هى أحد خفى حنين لا لزوم له، هى نصيب الأيتام على موائد اللئام، هى آخر حانوتى على وجه الأرض مات وليس هناك من يواريه التراب، إن نظرة واحدة إلى ما يجرى فى الشارع المصرى لكفيلة بأن تجعلنى أشعر بالخزى والضآلة أمام صومالى هارب من جحيم بلاده إذ إننا صرنا فى حاجة إلى من يمد لنا يد العون لينتشلنا مما صرنا إليه، بلادنا التى يتصارع من أجل كراسيها مرشحون ما هم بأفضل مما يتصارع من أجل جيفة، بلاد تنتج البترول وتتصارع من أجل النار التى هى البنزين والسولار والبوتاجاز ليست ببلاد، بلاد تنتج القمح ولها أعظم نهر ويتصارع أهلها من أجل لقمة خبز حاف ليست ببلاد، بلاد لها جنود وضباط داخلية يفوق عددهم عدد سكان دولتين عربيتين والجريمة تتبختر فى شوارعها عارية وبدون حتى ورقة توت ليست ببلاد، بلاد يفشل تليفزيونها فى جذب المشاهد وإبعاده عن متابعة مهند وعاصى التركيين فتنتج له مسلسلات المحاكمات فتزيد الطين بلة ليست ببلاد، بلاد تحتفل بقبول دفعة جديدة من طلاب كلية الشرطة ولا تحتفل بالحاصلين على درجة الدكتوراه فى علوم الذرة وغيرها ليست ببلاد، بلاد تقدس الراقصة المغمورة ولاعب الكرة غير الموهوب وتتفانى فى تجاهل رجال الفكر والتعليم ليست ببلاد.
إن ما يجرى أمام محطة بنزين واحدة لكفيل بإسقاط رئيس وحدة محلية ورئيس مجلس محلى محافظة ومأمور مركز ومحافظ ورئيس دولة أو أميرها أو ملكها أو إمبراطورها، ذلك فى حال كون الدولة موجودة ومحترمة، وكفيل بإسقاط مجلس انتقالى أو مجلس عسكرى فى دولة كانت قائمة وكانت تقريبا محترمة.
دققت مليا فى ما يجرى فى الشارع المصرى فتعبأت بالحسرة والخوف والقلق والتشاؤم، وتعجبت كثيرا لأناس ينفقون الملايين من أجل كراسى برلمان لبلاد لم تعد ببلاد، لك الله يا مصر، يا من كنت فى خاطرى وفى فمى، ويا من سكن حبك روحى ودمى، أخشى أن يكون شعار أبنائك وقسم أعضاء برلمانك فى الفترة القادمة هو "لو لم أكن بلطجيا لوددت أن أكون بلطجيا"، دعينا يا بلادى نضحك على يد شر البلية.
