محمد فهيم

السيد رئيس جمهورية الميكروباص

الأحد، 13 نوفمبر 2011 10:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وقفت على الطريق مدة طويلة إلى جانبى كتلة من البشر، الكلٌ يسعى إلى مقصده، وكلما أقبلت علينا سيارة ميكروباص انفجرت تلك الكتلة، كأنها قنبلة خرجت نحو هدفها، ودخل الجميع فى سباق وتدافع نحو السيارة، وبدأ الصراع على موطئ قدم داخل الميكروباص فسقطت عن يمينى سيدات وآنسات وعن شمالى أطفال وصغار ومن أمامى كبار السن يجأرون من الألم تحت الأقدام، وبدا لى أن الأشرس دائما هو من يسبق ويكسب ويفوز والمتردد والمترفع عن خوض غمار المعركة دائما ما يخسر، ولكنى هذه المرة كنت وسط الموجة التى أخذتنى جذبا وارتدادا حتى ركبت، حسب نظرية الدفع المباشر، فلقد تركت جسدى تلعب به الأمواج كيفما شاءت حتى وجدتنى ملقى داخل السيارة، وهنا تحقق الحلم، وبدأت المعاناة الحقيقية مع السيد رئيس جمهورية الميكروباص.

بدا صوته غليظا فظا قاسيا وكلماته نابية سافلة تهدد وتتوعد عمال على بطال دون رد فعل من السادة الركاب، وتظهر من قسمات وجهه علامات البلطجة والإجرام، سار وسط السيارات فى موجات كالزجزاج وبسرعة جنونية رغم الزحام، يلعن ويسب كل من يسير إلى جواره من السيارات، وفجأة وقف السيد رئيس جمهورية الميكروباص أمام قهوة، وتركنا دون كلمة واحدة، ثم التفت فجأة نحو الركاب يتابع وجوههم ولسان حاله يقول هل من معترض، فأشوه وجهه بالمشرط، أو ألعب البخت فى عنيه، فتوارت عيوننا عنه معلنين جميعا رضانا عن نزوله من السيارة، ومعلنين رضائنا التام عنه، وعن كل ما يفعل رغم أنه ترك الميكروباص فى وسط الطريق وأغلقه بشكل تام.

ولكنه قبل أن ينزل وضع فلاشة صغيرة بالكاسيت لم تنطق بما فيها إلا بعدما دخل سيادته القهوة، ولكنها عندما نطقت لعنت كل المخترعات الحديثة، ولعنا جميعا دولة الصين التى صنعتها ببلاش، فالسيد الرئيس له أغانى مخصوصة على ذوقه من الأفراح السكة، وليالى تجار المخدرات، والسكارى، والتائهين من البانجو والحشيش، فسمعنا نغما جديدا وسلما موسيقيا حديثا عبارة عن عويل وصراخ، جاء من الفلاشة، وطبل ورزع وكلمات لا تخلو من كلام الحشاشين والبلطجية والتافهين من البشر، لا أستطيع تذكرها، فطلبت من المواطن المسكين الجالس إلى جوار السيد الرئيس أن يهدئ من صوت الكاسيت، إلا أنه رد مزعورا، وقال "مقدرش أهديه أنا مليش دعوة"، واضطررنا إلى أن نتمتع بوصلة التحشيش والتجعير والنعير دون أن ينطق منا أحد بكلمة.

وهنا ظهر السيد رئيس جمهورية الميكروباص خارجا من حمام القهوة، ثم وقف أمام زميله السيد رئيس جمهورية القهوة، فأعطاه شيئا وأخذ هو الآخر شيئا، ثم تركه وذهب إلى عامل بالقهوة فأعطاه كوبا من الشاى، رأيت ذلك المشهد بعدما أخفيت وجهى متلصصا من خلف ستارة معفنة فوق الزجاج، ثم أقبل الرئيس وهو يلوك شيئا فى فمه ويمسك بكوبا من الشاى ظننا أنه سيعاود السير مرة أخرى إلا أنه وضع كوب الشاى داخل السيارة فى برود تام وتركنا من جديد وذهب إلى عربية حواوشى وكبدة، وانتظرنا حتى صنع له رئيس جمهورية الحواوشى ساندويتش يكفى ذلك الفحل من الجاموس البشرى.

صدقونى ما شهدناه من عينيه وصوته وعضلات يديه لم يجعل لنا أملا فى الاعتراض أو التبرم، وبخاصة أننا عانينا كثيرا حتى وجدنا الميكروباص وغير مستعدين لتمزيق هدومنا أوتشويه وجوهنا أو أن نعود لأولادنا بعاهة مستديمة، لذا فعلينا أن نتحمل السيد رئيس جمهورية الميكروباص، إلا أنه واصل سيره الممتع وطار بنا وكأننا داخل مراجيح المولد، وزاد صوت أغانيه وهو يتراقص على ضجيجها، ثم أعلن قائلا الأجرة زادت حد عنده اعتراض؟

فدفعنا جميعا ووجوهنا مشرقة من السعادة، ثم أخرج صاروخا كبيرا من البانجو وأشعله فى عز النهار، وقال "حد ياخد له نفس، أنا بفهم فى الأصول الكيف، مناولة مش مقاولة"، رد بعضنا شاكرا سيادته على كرمه، وسكت البعض الآخر بعدما اتظبطت دماغه من مفعول الصاروخ.

لا ألوم السيد رئيس جمهورية الميكروباص، لأن كلنا كمصريين "الـ85 مليون" نتعامل بنفس المنطق، وتلك الطريقة، فكلنا رئيس جمهورية يتحكم فى من تحت يديه من البشر، فكل وزير يتعامل مع وزارته وموزوريه وكأنه رئيس جمهوريتهم، والآمر الناهى والمانح المانع، وكل مدير يذل موظفيه يحظى منهم المتعاونون ويقصى منهم الجادون المخلصون، وكل مشرف يهين عماله وينتزع منهم آدميتهم وبشريتهم، وكل صاحب عمل أو مال أو تجارة أو إدارة يتعامل مع غيره بمنطق المماليك وسطوة البلطجية، وكل بائع يبيع كما يريد دون رحمة أو شفقة يسرقك على علم منك وإن كنت جدع اتكلم، وكل أب يتحكم فى أولاده، وكل سائق ميكروباص يذل خلق الله.

وأرى أننا جميعا معيبون، وأن الثورة التى أطاحت برئيس جمهورية مصر، كان يجب أن تطيح بالمصريين جميعا من فوق كراسيهم، أيها السادة لابد من تحطيم الكراسى، ولا بد من الإطاحة بكل رؤساء جمهوريات مصر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة