أثارت الوثيقة التى طرحها د. على السلمى نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون السياسية والتحول الديمقراطى باسم حكومة د. عصام شرف فى اللقاء الذى عقد بدار الأوبرا يوم الثلاثاء أول نوفمبر وحمل عنوان «المبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية»، أثار ردود أفعال متباينة بين الأحزاب والقوى والتيارات السياسية، تراوحت بين القبول وبلا أى تحتفظات «رئيس حزب التجمع» والقبول بشرط إعادة النظر فى مادة أو أكثر من الوثيقة «حزب الوفد والحزب المصرى، الديمقراطى الاجتماعى وأحزاب وقوى أخرى والرفض من جانب أحزاب وقوى الإسلام السياسى «الوسط والحرية والعدالة - الجناح السياسى لجماعة الإخوان المسلمين- والأحزاب السلفية» والتى دعت إلى «مليونية» يوم الجمعة القادم 18 نوفمبر 2011.
وبصرف النظر عن قيمة الوثيقة وجدواها وخطورة المواد المطلوب تعديلها خاصة المادتين 9 و10 من المبادئ الأساسية والبندين 2 و3 فى معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور والتى تحول القوات المسلحة المصرية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى «سلطة» رابعة فوق السلطات الثلاث المعروفة «التنفيذية والتشريعية والفضائية».. فموقف أحزاب وقوى الإسلام السياسى يحتاج إلى توضيح وفهم ومناقشة.
فقد شارك رموز من هذا التيار مع القوى والأحزاب والشخصيات العامة الأخرى فى مناقشة فكرة التوافق على مبادئ أساسية وعامة قبل الشروع فى صياغة الدستور. بدءا من الحوار الذى دعا إليه د. يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء فى 22 مايو 2011 تحت اسم «مؤتمر الوفاق الوطنى» مرورا بمبادرة د. محمد البرادعى «المبادئ والحقوق الأساسية» فى يونيو الماضى، ثم وثيقة «التوافق على المبادئ التى تراعى فى الدستور الجديد لمصر»، التى أصدرها التحالف الديمقراطى من أجل مصر المكون فى ذلك الحين من 28 حزبا من بينها الوفد والإخوان المسلمين والتجمع وأعلنت فى يوليو الماضى، وبعدها بأيام أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان 26 من منظمات حقوق الإنسان فى مصر «بردية» الأحكام الأساسية فى الدستور، وصولا إلى إعلان د. على السلمى فى 15 أغسطس 2011 الصياغة الأولى لوثيقة «المبادئ الأساسية للدستور» وطرحها للنقاش العام كمبادرة رسمية من الحكومة.
وتغير موقف أحزاب وقوى الإسلام السياسى وإعلان الرفض و«الجهاد» والدعوة لمليونية لإسقاط الوثيقة والرجل الذى أعلنها، يجد تفسيره فى حالة تلبست جماعة الإخوان المسلمين وحزبها وقوى الإسلام السياسى عامة فى الفترة الحالية، يمكن وصفها بالغرور والاستعلاء. نتيجة لحسابات خاطئة- من وجهة نظرى- تصور قادة الإخوان المسلمين والأحزاب السلفية أن الانتخابات البرلمانية القادمة ستؤدى إلى حصولهم معا على الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى، ومن ثم تشكيلهم للجمعية التأسيسية لصياغة الدستور طبقا لرؤيتهم الخاصة ليتم صياغة الدستور على هواهم وبما يحقق أهدافهم فى إقامة دولة دينية فى مصر تحت اسم «دولة مدنية ذات مرجعية دينية إسلامية»، وبالتالى رفضهم لأى توافق مع قوى وتيارات المجتمع الأخرى «ليبرالية ويسارية أو قومية» حول مبادئ عامة للدستور، تكون قيدا عليهم فى صياغة الدستور بعد الانتخابات النيابية وتشكيل الجمعية التأسيسية. ومن هنا جاء غيابهم على لقاء دار الأوبرا وإعلانهم رفض إصدار أى وثيقة بالمبادئ الأساسية للدستور، ليعيدوا تقسيم الشارع السياسى فى مصر بين قوى الإسلام السياسى المدافعين عن الدولة الدينية والقوى الديمقراطية المتمسكة بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة, والرد على هذا الموقف ينحصر فى توافق كل القوى الديمقراطية حول وثيقة للمبادئ الأساسية للدستور المصرى بعد تخليصها من البنود التى تحول «القوات المسلحة» من أحد أجهزة السلطة التنفيذية المنوط بها حماية حدود الوطن وأرضه ضد أى أخطار خارجية إلى سلطة فوق السلطات تهيمن على الحياة السياسية والشأن الداخلى، وتضمينها مبادئ الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة والحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان كما نصت عليها المواثيق والعهود الدولية.