رحل أبوعمار، القائد والرمز فى مثل هذا اليوم الحزين، الحادى عشر من نوفمبر 2004، ودعه شعبه وودعه العالم فى ثلاث جنازات عسكرية مهيبة، لم يحظ بها أى قائد عربى من قبل، ومثلما كان كاريزما فى حياته الحافلة، كان لموته هيبة وجلال شيعته فرنسا فى الجنازة العسكرية المهيبة الأولى، وسط دموع أحبائه وشموع أصدقائه ومعجبيه، ثم شيعته القاهرة فى الجنازة العسكرية الثانية، وسط احتشاد قادة وزعماء العالم والدول العربية، وانتقلت به الجنازة العسكرية الثالثة إلى مثواه الأخير فى رام الله مؤقتا، فقد أودعت القدس جثمانه فى تراب رام الله إلى حين، وكان ذلك وعد الأرض، ومن عادات الأرض فى عرف القصص الشعبى الفلسطينى أنها لاتخلف ميعادها ولا تبدل انتماءها، كما أنها لا تعير أو تستعير ملحها، المجبول دائما بعرق أعز رجالها، وإن رحلوا.
سبع سنوات على مفاجأة الرحيل، دون أن يكون للشعب الفلسطينى الحق هذه المرة فى التعبير عن فجيعته وصدمته بهذا الرحيل المحتوم، بعد أن أمضى ياسر عرفات أكثر من أربعة عقود وهو يهيئ شعبه لاحتمالات قضاء نحبه، إلى أن اكتشفنا فشلا جماعيا على التمرين أمام مكائد الموت، وهو يشكل تراجيديا الفقد الكبرى، وكأنها قد سلبتنا أسماءنا ونزعت منا الاحساس بالذاكرة، حينما أدخلتنا فى فوضوية المراوحة الاستفهامية بين التصديق والتكذيب، فهل مات من كان عصيا على فعل الغياب والتغييب؟ أم أنه سقط صريع السم شهيدا، أم الأصل أن أبو عمار كان طوال حياته الشاهد والشهيد، إلى أن أسرى بروحه فى رمضان ليلا إلى بارئها.
قرر رئيس الوزراء الاسرائيلى السابق أرئيل شارون الموافقة المبدئية على إبعاد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وحينها اعتبر الكثير هذا القرار خطوة تجاوزت كل الخطوط الحمراء فى قضية الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى، وتحديدا عقب ثلاث سنوات على اندلاع انتفاضة الاقصى عام 2000، وخرجت الحكومة الإسرائيلية آنذاك وعقب اجتماع لها بقرار هز الشارع الفلسطينى والعربى والعالمى، فقالت فى نص بيانها : "أن الرئيس عرفات عقبة مطلقة فى طريق المصالحة بين اسرائيل والفلسطينيين، وأن الحكومة ستتحرك لإزالة هذه العقبة بالشكل والتوقيت، وبالطرق التى ستتم اتخاذ القرارات بشأنها بشكل منفصل ".
حينها انقسم المجتمع الدولى مابين الولايات المتحدة من جانب، ودول العالم من جانب آخر إزاء هذا القرار الخطير، ورغم تصويت هذه الدول وتحديدا دول الاتحاد الأوروبى ضد هذا القرارالاسرائيلى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن إسرائيل مضت قدما فى تنفيذه متحدية كعادتها كل القرارات الدولية، ضاربة عرض الحائط شرعيتها وهيبتها الأممية.
أصبح أبو عمار منذ ذلك الحين أحد أشهر الشخصيات فى العالم بأسره، ونجح فى غرس صورته التى تتميز بوجه مبتسم، ويد مرتفعة بعلامة النصر تارة، أو يدين متشابكتين تارة أخرى، وحتى عندما حاصرته اسرائيل نحو ثلاث سنوات فى مقره المدمر بالمقاطعة فى رام الله، لم يتخل الرجل عن ملامح شخصيته الفريدة وكثيرا ما ردد عبارته الشهيرة " يا جبل ما يهزك ريح " كرد ساخر من المحاولات الاسرائيلية للقضاء عليه سياسيا ومعنويا.
طوال سنوات الحصار كان أبو عمار يدرك أن اسرائيل تتمنى اختفاءه من الساحة السياسية التى ملأها لعشرات السنين، لكن ظل على حاله لا يتزحزح عنه، بل أضاف إلى قاموسه الشهير عبارته الأشهر: " يريدوننى إما أسيرا، وإما طريدا، وإما قتيلا .. وأنا أقول لهم بل شهيدا .. شهيدا .. شهيدا".
ونحن نحيى ذكرى رحيله السابعة، تنكأ الجراح من جديد، لكشف المستور فى حقيقة وفاة الزعيم الراحل ياسر عرفات "أبو عمار "، فلا زالت الشبهات تحوم حول اسرائيل وأصابع الاتهام توجه مباشرة إلى حكومة شارون بأنها السبب المباشر فى تسميمه والقضاء عليه، وإن كان التقرير الفرنسى للأطباء الذين أشرفوا على علاجه، لم يتعرض بالفصل فى أسباب وفاته، إلا أنهم لوحوا لاحتمال التعرض لنوع غريب من السم، لم يسبق لهم معرفته، فهو نوع متطور جدا من السموم التى لا تترك أثرا فى الجسم، لكنها تتسبب فى الوفاة، وهو السبب الأكثر منطقية وقربا للتصديق، وقد آن الآوان للجزم فى هذه الحقيقة المنقوصة لإغلاق هذا الملف.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عاطف ملاك
المناضل
عدد الردود 0
بواسطة:
سيف العرب
كفاية كذب
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد السكندرى المصرى
ضرره كان أكثر من نفعه