فى مثل هذا الشهر، منذ ست سنوات، وقف الرئيس السابق، محمد حسنى مبارك يقسم اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب، بعد تلك الانتخابات المزورة التى أجريت فى شهر سبتمبر 2005.
من بين كل رؤساء وزعماء العالم، اختار مبارك، العقيد معمر القذافى، كى يشاركه هذا اليوم، ويجلس إلى جواره على منصة البرلمان أثناء أداء القسم الدستورى، بأن يحترم الدستور والقانون ويحافظ على مصالح الشعب.
كان هذا اليوم بالغ الدقة بالنسبة لى، كعضو فى البرلمان الذى يقسم الرئيس أمامهو وفى الوقت نفسه كوصيف للرئيس، حل ثانيا فى تلك الانتخابات الرئاسية الأولى فى تاريخ مصر.
قبل الجلسة بأيام.. أبلغنى الدكتور أحمد فتحى سرور، أن البروتوكول والعرف البرلمانى، أن يخرج رؤساء الأحزاب والهيئات البرلمانية، لاستقبال الرئيس وضيفه، قبل دخولهم إلى قاعة المجلس، والاجتماع معه لدقائق فى صالون الرئيس فى البرلمان!!
فهمت أن الهدف من حضورى هذا اللقاء، هو الحصول على ما يشبه الاعتراف «الضمنى» منى بالقبول بالنتائج والانتخابات المزورة.. وأن هذا اللقاء سيكون وفقا لوصف الدكتور فتحى سرور.. بداية جديدة، لصفحة جديدة فى العلاقات المتأزمة بينى وبين الرئيس والنظام.
لم أتردد وأنا أبلغ الدكتور سرور، أننى لن أستقبل الرئيس، لا مع رؤساء الأحزاب والهيئات البرلمانية، ولا منفرداً، وأننى سأحضر الجلسة داخل القاعة ككل أعضاء مجلسى الشعب والشورى.
أول رد فعل لقرارى، كان هو تحديد جلسة لمحاكمتى أمام القاضى عبدالسلام جمعة فى ذات اليوم المحدد لجلسة قسم اليمين، بل وفى ذات الساعة التاسعة، موعد بداية الجلسة!! وهو ما كان ينبغى معه عدم حضورى الجلسة بالبرلمان، لكنى تغلبت على هذا، بطلب رد القاضى للمعروف عنه.
رد الفعل الثانى: كان أنه فور دخولى القاعة، وجدت عدداً من ضباط أمن الدولة، يجلسون حولى فى القاعة بالمخالفة للقانون!! وكان أبرزهم اللواء هشام أبوغيدة وآخرون ممن حاوطونى من كل الاتجاهات، تحسبا لشىء لا أعرفه!!
ربما تصوروا- كما بلغنى لاحقاً- أننى كنت سأقف وأسب الرئيس أو أتصايح فى وجهه، وهو ما لم يخطر ببالى، بل إن سلوكى كان فى هذه الجلسة شديد العقلانية والمرارة بالنسبة لهم.
عندما دخل الرئيس ورفيقه القذافى للقاعة، وقف الجميع، ولم أقف «!!» هلل الجميع وصفق الجميع. ولم أفعل!! تكرر هذا مرات، أثناء تلك الجلسة، سواء أثناء قسم اليمين وخطابات التهانى، أو أثناء خطاب الرئيس نفسه!!
كانت كل العيون تنظر لى، بعضهم يحبس أنفاسه، وبعضهم لم يخف إعجابه بصلابة موقفى، وخوفه علىّ من رد فعل هذا الموقف. لاحظ العقيد القذافى الجالس بجوار مبارك على المنصة، أن هناك شخصا واحدا داخل القاعة لم يقف، ولم يصفق، فاقترب القذافى من مبارك برأسه وسأله وهو ينظر ويشير برأسه تجاهى، من هذا الشخص؟! فمال مبارك برأسه وهمس له فى أذنه!!
فجأة وجدت القذافى يبادلنى النظرات، وحيانى بوضع يده على صدره!! فابتسمت. بعد نهاية الجلسة وأثناء خروجى من القاعة بعد انطلاق موكب مبارك، كان القذافى مازال بالمجلس، وتصادف أننا التقينا عند باب رئيس المجلس، فأقدم على، وقال بلغة صعبة الفهم: «القبائل قالوا لى إنهم سيعطونك أصواتهم، فقلت لهم الجنى «أى الجن» اللى نعرفه، أفضل من الجنى اللى منعرفوش»!!
صدمتنى العبارة المعقدة فبادلته التحية وانصرفت مندهشاً!!
بعد أيام قليلة من هذا اليوم، حبست مرة أخرى احتياطيا، لحين صدور حكم ضدى، حيث نفيت أربع سنوات كاملة فى غياهب السجون. واليوم وبعد مرور ست سنوات.. أتذكر هذا اليوم، وأسأل نفسى؟ أين مبارك؟! أين القذافى؟! أين فتحى سرور؟! أين هشام أبوغيدة؟! أين كل الذين هللوا وصفقوا لمبارك؟!.
لكن السؤال الأكبر هو: أين العدل؟! قد يأتى العدل بطيئاً!! قد يتأخر قليلاً.. لكنه حتما سيأتى؟!