ثلاث سيدات يربكن ثلاث جامعات الآن، ويربكن المجتمع الأكاديمى فى مصر.. وهن: رئيسة جامعة الإسكندرية، ورئيسة جامعة طنطا، وعميدة كلية الآثار بجامعة القاهرة.
وهن لا يدركن خطورة موقفهن.. والمسألة ببساطة أن كلا منهن ترفض التقدم بالاستقالة، وتصر على البقاء فى كرسى السلطة، حتى لو غضب ورفض المجتمع الأكاديمى ذلك، ورفض الطلاب وجودهن فى مواقعهن، وعلت النداءات تطالبهن بمغادرة المنصب والموقع.
لقد ناضل المجتمع العلمى والمدنى فى مصر حتى باتت بعض المناصب محصنة من تدخل المسؤولين السياسيين فيها بالإقالة، مثلا منصب رئيس الجامعة الذى يعين بقرار جمهورى وبدرجة وزير، وكان الهدف من ذلك تحقيق استقلال كامل لعمل رئيس الجامعة، فلا يتدخل فيه وزير التعليم العالى ولا رئيس الوزراء، حتى لا تتكرر مأساة وزارة صدقى باشا مع عميد الأدب د. طه حسين سنة 1932، حيث تم نقله من وظيفته، وبسبب ذلك استقال مدير الجامعة لطفى السيد، وحدثت أزمة كبيرة فى الجامعة.
وبات فى حكم العرف ألا يتدخل مسؤول، حتى لو كان رئيس الجمهورية، بإقالة رئيس الجامعة، لكن هذه الحصانة لا تمنح رئيس الجامعة حق البقاء فى الموقع رغم أنف الأساتذة والطلاب.
والواقع أن رؤساء الجامعات الحاليين والقيادات الجامعية عموما اختيروا من قبل الرئيس السابق وأركان نظامه، وفق آليات وأدوات النظام الذى سقط فى 11 فبراير بناء على رغبة وثورة شعبية جارفة.
وكان يجب على هؤلاء بشجاعة أدبية وكبرياء إنسانى أن يطلبن هن الرحيل عن مواقعهن، وذلك لا ينقص من قيمتهن العلمية والإنسانية، بل يزيد قدرهن الإنسانى، فضلا على أنه يعنى حسن إدراك للواقع، وفى النهاية احترام منهن للإرادة العامة داخل الجامعة بين الطلاب والأساتذة.
إن تمسك هؤلاء القيادات بمواقعهن يعنى أن رئاسة الجامعة أو عمادة الكلية تحولات إلى مجرد كرسى ومنصب له وجاهته وبريقه، وأنهن متمسكات، بل يؤثرن أن يهتف الطلاب ضدهن على أن يرحلن.
جزء من المسألة أننا مجتمع لم يعد يعرف ثقافة الاستقالة والرحيل فى الوقت المناسب، يقول أهلنا عن الخضروات والفواكه الموسمية «كل شىء يختشى من أوانه»، والحق أن ذلك يجب أن ينطبق عليهن، لكن الذين طال عليهم الأمد فى السلطة خلقوا ثقافة مضادة ترى الاستقالة معرة ونقصا، يجب ألا يقربهما أحد، وأن شرعية الوجود بالنسبة للمسؤول هى تشبثه بكرسيه حتى لو كرهه الناس جميعا.. أعرف أن د. عمرو سلامة طالب رؤساء الجامعات وحاول أن يقنعهم ويقنعهن بالاستقالة تجنبا لحرج كبير، وفعل الوزير الحالى الشىء نفسه.
يبقى التساؤل واجبا: هل المرأة أكثر عشقا للسلطة وأشد تشبثا بها وحرصا عليها وأنها تحتمل أى خطر إلا مغادرة الكرسى؟ هذا ما نلمحه فى حالة السيدات الثلاث بالجامعة، لقد حوصرت اثنتان منهن داخل مقر العمل، ومنعت الثالثة من دخول المكتب، ورغم ذلك فهن متمسكات ومصرات على عدم الاستقالة، بدعوى أن هناك من يحرض الطلاب ضدهن.
لقد كنت واحدا من الذين انتقدوا تغييب المرأة عن بعض المواقع، منها موقع رئيس الجامعة، وصحيح أن رئيسة الجامعة جاءت موقعها وفق آليات وشروط النظام السابق، لكنها كانت شروطا عامة لأصحاب المناصب، أما وقد سقط النظام فإن السيدات الثلاث لديهن إصرار على البقاء وإبقاء رموز وتقاليد النظام السابق، هل الأمر كذلك أم أنها عقدة المرأة والسلطة عبر التاريخ؟
أيا كان الأمر، فحفاظا على قيمة الموقع العلمى والإدارى داخل الجامعة، وحرصا على هيبة الجامعة ودروها، وحرصا أيضا على مستقبل المرأة فى العمل العام والمواقع المؤثرة فى الدولة مستقبلا، يجب على السيدات الثلاث الرحيل قبل أن يفرض عليهن ذلك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة