أصبح من الملاحظ فى مجتمعنا مسألة تمرد الأبناء على آبائهم وأمهاتهم بالدرجة الأولى وباقى الأهل، وهذا التمرد بات ظاهرة تسود فى العديد من الدول والمجتمعات خاصة العربية، وفى كل بيت وحى وقرية ومدينة ومؤسسة ولعلى هنا أركز على البيت بصفتها المؤسسة الأولى فى المجتمع قبل غيرها، للأسف الشديد تجد كل بيت يشكو من تمرد أولاده، فالأم تشكو من بناتها أنهن لا يحترمن كلامها وتجد الأب يقول نفس الشىء وأن أبناءه سواء الصغار أو الكبار وتكبر الدائرة هذه لتصل إلى الأهل الذين يعانون من نفس المظهر السلبى المؤسف هذا.. لا أدرى ماذا أقول نادرا ما أرى الابن يسأل عن الأم والأب أو أرى زوجته نفس الشىء وأبنائه رغم أنهم يعيشون فى بيت واحدو كل منهم يشعر كأنه فى فندق وليس فى بيت العائلة وليس هنالك روابط أو حقوق وواجبات يفكر بها أحد اتجاه الكبار وما عاد لنا القيمة التى طالما كنا نتغنى بها"، ويسترجع الحاج أبو محمود ذكرياته قائلا: "كنت عندما أرى أبى إن كنت قاعدا أقوم فورا وأسلم عليه وأقبل يداه وأظل صامتا مستمعا له ومنفذا لكلامه ومطيعا لكل أوامره وكنت سعيدا واسمع رضا والدى على فى كل يوم". ونشير فى هذا المضمار أنه قد يبدو لتمرد الأبناء والبنات على والديهم أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية، والواقع السياسى المزرى وغيره، وهنالك من يرى أن التربية هى الأساس والدين هو الأساس، والبعض يعزو ما يحدث من تمرد وخروج عن العادات والتقاليد ورفض أوامر الوالدين وتقاليد الأسرة أو حتى التمرد على المدرس والأستاذ الجامعى إلى هذا الانفتاح الكبير فى ثورة المعلومات ووسائل الاتصال والفضائيات وهى التى غزت كل بيت وكل عقل وللأسف أنتجت مظاهر سلوكية غير طبيعية وغريبة وسلبية ومعيبة كان لها واقع فظيع على كل أركان المجتمع ومؤسساته. وقد تشكو الأم من تمرد ابنتها الصغيرة ذات العشر سنوات أكثر من أخواتها الأكبر، فهو ملاحظ أكثر منهم، والظاهر أن الجيل الجديد غير قادر أن تحكمه، ومتمرد بفعل التلفزيون والفضائيات فهذه باتت هى التى تربى بسبب انشغال الأهل، كما أن الرسوم المتحركة وكثرة قنواتها تشجع الأطفال على سلوكيات تهدم المفاهيم الاجتماعية الموجودة عندنا " " وبالنسبة لطلبة الجامعة من البنين والبنات يتغير نمط سلوكهم وأسلوبهم بحكم الجو الجامعى المغاير للبيت وبحكم الأصدقاء والصحبة أى (الشلة) " وعن مظاهر التمرد أقول " أصبحنا نرى كل يوم معاندة الأبناء والبنات لإبائهم وأمهاتهم والقسوة عليهم وعلى باقى إفراد العائلة، وعلو الصوت والصراخ والضرب أحيانا، وإهمال الدراسة والاهتمام بالأمور الثانوية بل والتافهة أحيانا على حساب الأساسية " واختتم بقولى " الله يستر من ها الجيل "وقد يكون أيضا الدلع الزائد خاصة فى فترة الطفولة التى تعتبر مرحلة اللبنة الأولى لبناء شخصية الإنسان إضافة لغياب الأب أو الأم أو الوالدين معا عن أبنائهم وبيتهم عاملا مساعدا وقويا فى عدم السيطرة على هؤلاء الأبناء كما أن توفير وسائل الترفيه واللهو من جوال وكمبيوتر ونت والسماح بالتدخين والشيشة كلها انعكست سلبا وأدت إلى إحساس الأبناء والبنات بـ(الأنا) وبالاستقلالية أكثر وأكثر والانفراد بآرائهم وزيادة تمردهم. قد يكون هذا الجيل"مخيف، حقاً مخيف بمعنى الكلمة " كما أن لا تستبعد أن هنالك استعدادا نفسيا قويا ومعقدا لدى هذا الجيل بل والتباهى بأنه خارج عن طوع الأهل وغير متوافق ومنسجم معهم متمرد، وبأنه منحرف. هنالك حلقة مفقودة ولكن معالمها ظاهرة للعيان فمثلا ملاحظ جدا عند الأبناء والبنات فى إحساسهم (اللامبالاة – الأنا فى معظم الأمور إن لم يكن كلها) وفى تفكيرهم ( السطحية – اللامسئولية- اللامنطق – تصل إلى رفض الصح وعمله) وأما فى قلوبهم ( القسوة – الجحود – أمراض شتى) وطبعا كل ذلك انعكس على مجمل سلوكهم وتصرفاتهم فى كل مكان وأصبحنا نسمع كلمة (عادى وأنا حر، أعمل اللى بيريحنى،أيه يعنى أبى أو أمى) وغيرها.. تلك كلها معالم فوضى شاملة يقودها العقل والقلب والإحساس بداخل الأبناء والبنات.. حتى أوصلت إلى أن نشاهد نتائج جنونية من جرائم بشعة لا توصف وقتل وعنف ضد الآباء والأمهات من هؤلاء الأبناء والبنات... هذه نقطة من بحر من مشاهد وصور لتمرد الأبناء على آبائهم وأمهاتهم وهذه الأمور جميعها تستدعى ليس فقط من الوالدين والمدرسة بل جميع ذوى العلاقة للعمل على محاولة فهم وفهم هذا الجيل ومراقبة كل السلوكيات الناتجة عنه من خلال خلق جو متواصل من النقاش الطيب الودود والاجتماع مع الأبناء والبنات لو فى الأسبوع مرة للاطلاع على كل ما يدور بعقول وقلوب هذا الجيل، كما ينبغى نشر التوعية السليمة المدروسة والعقلانية والمطلوبة وفى الوقت المناسب، ويستدعى ذلك أيضاً استمرارية بحث أواصر التعاون بين كافة الجهات ذات العلاقة مع الأسر فيما يتعلق بفهم خصائص الأطفال والشباب والشابات والعمل على تلبية متطلباتهم بقدر الإمكان والاستفادة من طاقاتهم فى عمليات بناء المجتمع والتنمية، وصدقونى الجميع مطالب للعودة إلى الأصول والجذور بمفهومها الواسع فى جوانب حياتنا كلها.. أؤكد وما زلت على ضرورة حماية هذا الجيل وبالسرعة الممكنة وبشتى الوسائل الصحيحة مع إدراك عميق لحجم المشكلة والمخاطر التى تحيط بالجميع فقد يكون الكثير المسموح به للأبناء والبنات مشكلة وقد يكون حرمانهم مشكلة وخير الأمور الوسط ... فالكل مسئول والكل سوف يحاسب.
ليلى حجازى تكتب: تمرد الأبناء على آبائهم وأمهاتهم
الخميس، 06 أكتوبر 2011 10:12 ص