يأخذ الشيخ أسامة السيد الأزهرى المدرس بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، على عاتقه الإسهام فى بناء خطاب إسلامى معتدل ومعاصر، ويستمد قوته من الجذور الأزهرية المصرية، فهو عالم وخطيب ومحاضر أكاديمي، ويعد من أبرز العاملين على نشر الفهم المستمد من التراث، والاستدلال به لفهم الواقع المعاصر، كما يقدم التطبيقات اليومية والواقع المعيش من خلال خطبه ومحاضراته ومشاركاته العلمية، ويعمل على إحياء أفكار ونظريات إسلامية أصيلة، فضلاً عن تكليفه من قبل شيخ الأزهر بالإشراف على مكتب "رسالة الأزهر"، والذى كان نقطة الانطلاق فى حوارنا معه، والذى أجاب فيه على كافة الأسئلة التى طرحناها عليه.
كيف بدأت فكرة مكتب "رسالة الأزهر"؟
- الفكرة بدأت مع وجود حاجة ملحة لإنتاج خطاب أزهرى فاعل ومؤثر، ينجح فى بناء الجسور بين الأزهر الشريف وكل فئات المجتمع، ويوصل إلى كل الأطياف والتيارات بصيرة ورؤية ناضجة، وخلفية علمية موزونة، وتحليلا للأحداث على رأى مستبصر، فكان توجه فضيلة الإمام الأكبر، وسماحة المفتى، ووزير الأوقاف، بإنشاء هذا المكتب.
ما المهمة الرئيسية لهذا المكتب؟
- مهمتنا "التأصيل" و"التوصيل"، والإبحار فى التاريخ الأزهرى الممتد والمتجذر، والغوص فى المواقف التاريخية المجيدة للأزهر، وكيف قام بالقيادة الآمنة للتغيير فى مختلف فترات التاريخ المصرى، محافظاً على الشعب ومنتزعاً حقوقه من كل غاصب أو مستبد، والغوص فى هذا التاريخ العظيم لنستخرج منهجية للتعامل مع الوضع الراهن فى مصر.
كما يهدف مكتب رسالة الأزهر أيضا إلى إنشاء الأروقة الأزهرية، بمعنى تكوين أصدقاء لمكتب رسالة الأزهر، وجمع شتات الباحثين والعلماء والمفكرين وطلبة العلم الأزهريين فى مختلف محافظات مصر، وتكوين رابطة تجمع هؤلاء الخريجين، وقد تم إنشاء أروقة علمية فى 10 محافظات من مصر حتى الآن.
ماذا تعنى بالأروقة الأزهرية؟
- الناشطون من أبناء الأزهر، والراغبون فى التواصل معه، يجتمعون بصفة دورية متكررة، من أجل التباحث والدراسة، ورصد المحيط الذى يعيشون فيه، وتشخيص مشكلاته، وترشيد الخطاب الدعوى من أجل وجود خطاب علمى أزهرى رشيد وبناء، ويقوم المكتب بإمدادهم بالكتب والمطبوعات، ويوكل لكل فريق اختيار المكان المناسب، فتارة أحد المساجد بالتنسيق مع وكلاء وزراة الأوقاف وتارة غير ذلك.
هل يمكن القول أن "مكتب الأزهر" مؤسسة رسمية؟
هى هيئة أزهرية، تتبع مؤسسة رسمية، وهى الرابطة العالمية لخريجى الأزهر، والرابطة كيان مؤسسى مشهر معلن منذ سنوات، ورئيس مجلس إدارة الرابطة هو الإمام الأكبر شيخ الأزهر.
ما مدى التداخل بين المكتب ووزارة الأوقاف؟
وزارة الأوقاف كيان ضخم وعريق، ويقوم بجهود كبيرة فى حمل أمانة الدعوة فى مصر، ومكتب رسالة الأزهر هو طريقة من ضمن عدة طرق، تنفذ بها وزارة الأوقاف خططها الدعوية، فالوزارة ضمن خطتها الطموحة لإعادة تأهيل الدعاة، وتوفير متطلباتهم المادية والعلمية، وتزويدهم بالخطاب الدعوي، تقوم بتنفيذ هذا من خلال عدة وسائل وآليات، ومكتب رسالة الأزهر يشاركهم العمل فى هذا الاتجاه.
بالإضافة إلى أن المكتب يرى أن المجتمع يحتاج لخطاب مركب من عدة مستويات، مستوى علمى، وفكرى، ومستوى ثالث يناسب الثقافة الشائعة، فخطاب العلم يخاطب العالم المتخصص الأكاديمى، وهذا المستوى لابد من فتح خطوط التواصل معه، وهو مستوى المفكرين والصحفيين والكتاب والمثقفين والأدباء.
هناك فى المقابل، خطاب إلى الدائرة الدعوية، ويتمثل فى الإصدار الأول للنشرة الدعوية، وهناك كتاب اسمه "رسالة الأزهر".
تكلمت عن التشخيص الدقيق لعلل الواقع.. كيف سيؤدى المكتب هذا الدور؟
- هناك دراسات أصيلة وعميقة حول الشخصية المصرية، التى صنعت عبر التاريخ، وهذا الدور القيادى يرجع للصناعة المتقنة لشخصية الإنسان المصرى، التى تمت على أيدى مؤسسات عريقة، كان على رأسها الأزهر الشريف، وفى مرحلة معينة فى تاريخ مصر، بدأت المؤسسات الصانعة لشخصية الإنسان المصرى يقل تأثيرها، وبدأ يحصل تجريف أو تشويش أو تصحر لشخصية الإنسان المصرى، وقام برصد هذه المظاهر عدد من الباحثين من بينهم الدكتور جلال أمين فى كتابه (ماذا حدث للمصريين فى الخمسين عاما الأخيرة)، والدكتورة عزة عزت فى كتابها (سر التحولات فى الشخصية المصرية)، ونحن فى مكتب رسالة الأزهر نريد أن نمسك بهذا الخيط، وأن نعمق دراسته، ونبحث ما هى التغيرات القيمية التى طرأت على الإنسان المصري، فأدت لتراجع دوره القيادى بالمنطقة والعالم، وأضرب مثالا على ذلك دراسة أجرتها الدكتورة آية ماهر استمرت ثلاث سنوات، وخلصت إلى أن معدل متوسط ساعات عمل الإنسان المصرى 28 دقيقة يوميا، واليابانى 8 ساعات، فإذا أردنا أن نعالج الخلل فنحن نحتاج إلى خطاب أزهرى دعوى، ينمى فى المصريين قيمة العمل والإنتاج والتعب والعرق وبناء المصانع والنشاط الزراعى، حتى يحصل لدينا فائض وإنتاج، ونقوم بالتتصدير، لتتوفر عملة صعبة، تغطى احتياجات المصريين.
ما تحليلك لمصر بعد الثورة.. وارتفاع نبرة السلفيين والجماعات الإسلامية.. والأوضاع الحالية.. والخلافات بين التيارات الليبرالية والدينية؟
- مصر الآن فى حالة سائلة متحركة، يجرى فيها نقاش بين أطروحات ورؤى كثيرة، والأزهر ممثلا فى أعلى قياداته إلى أصغرها يؤمن إيمانا مطلقا، أن الأزهر الشريف له دور أساسى وفاعل ومؤثر فى هذه الفترة، بدأ ذلك على سبيل المثال بإصدار وثيقة الأزهر التى مثلت محورا للتلاقى والحوار التوافقى بين سائر الفئات وبين تيار علمانى ودينى ولقيت رضا كبيرا، وفى الأعم الأغلب هناك قبول لها، وعلى ضوء هذا التحرك الحكيم من الإمام الأكبر يسعى مكتب رسالة الأزهر، لاستمداد هذا المنهج، ويحاول عن طريق العلم والفكر والثقافة الشائعة، أن يقدم للمجتمع المصرى رؤية منضبطة، وطرحا موزونا، يلتقى الناس عليه، من أجل تحريك الوضع فى مصر فى المرحلة المقبلة.
ما الأسباب الرئيسية للضعف والتراجع الحادث الآن للأزهر والتى شعر بها جميع المصريين والمسلمين فى العقود الأخيرة؟
السبب الأول هو أن الأزهر مؤسسة ضخمة وكبيرة، فهو مؤسسة عابرة للقارات، ولها عمق فى سائر بلاد العالم، فتصور أن مؤسسة لها عمل فى السنغال ونيجيريا وأثيوبيا وأمريكا وروسيا وطاجكستان، ونحن عندنا فى الأزهر من المبعوثين فقط الوافدين للدراسة من خارج مصر 35 ألف داراس من 104 جنسية، وكل ذلك قد يؤدى إلى بعض التراخى فى بعض الأحيان.
أما السبب الثانى، فيكمن فى أن تمويل الأزهر لا يكفى لتغطية نشاطه الواسع، فالميزانية التى كانت مخصصة 1920 لو تمت مضاعفتها بنفس مقدار طلبة الأزهر، فينبغى أن تصل إلى 40 مليارجنيه، وذلك بعد دراسة اقتصادية من الدكتور فياض عبد المنعم الأستاذ فى الاقتصاد، ولكن الميزانية الموجودة الآن فى الموازنة الرسمية 4.7 مليار جنيه، تشمل كل مؤسسات الأزهر، وهو مبلغ لا يكفى لإضطلاع الأزهر بواجباته.
السبب الثالث، وهو ما نبه إليه الإمام الأكبر، بوجوبية إعادة النظر فى مناهج التعليم، والدراسة داخل الأزهر، وإعادة تأهيل المدرسين.
بالإضافة لذلك، توجد جسور محطمة بين الدوائر التى تصنع الفكر المصرى، والتى ترصد وتوصل للناس الأثر العلمى، بمعنى أن جامعة الأزهر بها بضعة ألوف من العلماء المتخصصين ومن الخطباء المفوهين لكن هناك أى تواصل معهم، ولا تغطية إعلامية لنشاطهم.
بعض علماء الأزهر ونسبة كبيرة من خريجى وشباب الأزهر يخرجون وهم يحملون أفكاراً سلفية.. لماذا؟
هذه نماذج ليست كثيرة على ضوء تقديرى، وأرجعها إلى أن تأثرها بهذا النمط الفكرى يرجع أولا للضجيج الإعلامى الحادث حالياً، وأضرب لك مثالا، سمعت أحد المتحدثين يتكلم على شاشة إحدى القنوات عن السنن والآداب كاللحية والسواك، -وهى من السنن النبوية المعظمة-، لكن ذلك المتحدث يتحدث عنها بأنها الأحكام الرموز، ونحن لا نقبل قطعا بإهانة السنن، ولكن تحويلها إلى رموز للدين، فذلك تشويش كبير للرؤية والفهم والطرح، وتغييب لمعالم الدين الكبرى، فإذا جئنا لمخاطبة غير المسلم بهذا الدين، وإذا أردنا خطابا دعويا فى سائر العالم هل سنخاطبه بهذه السنن، أو أننا سنخاطبه بالرموز الحقيقة، فنقول له إن هذا الدين يدعو لعبادة الله، وتزكية النفس، وعمارة الأرض، ووراثة النبيين، وهداية الأمم، ومكارم الأخلاق، فرموز الدين يمكن تلخيصها فى الآية الكريمة "كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آيتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة".
الشيخ أسامة الأزهرى: نريد إحياء المنهج الأزهرى وإعادة تأهيل الخطاب الدعوى فى المساجد.. ومصر "بعد الثورة" فى حالة سيولة.. ويجب مضاعفة تمويل الأزهر لـ40 مليارا
الخميس، 06 أكتوبر 2011 04:52 م
الشيخ أسامة السيد الأزهرى المدرس بكلية أصول الدين جامعة الأزهر مع محرر اليوم السابع