أرسل (أ) إلى افتح قلبك يقول: أنا شاب حديث التخرج، من كلية مرموقة، دخلتها بإرادتى وعن حب، لكنى فوجئت بكمية الحشو والروتين والأسلوب (المتهالك) فى التعليم، وسياسة (الإحباط) السائدة من الأساتذة إلى الطلبة باستمرار، فأصبحت بقدر استطاعتى أتجنب الذهاب إلى الكلية، ومعظم وقتى أقضيه منعزلا فى البيت، فى البداية كنت أستفيد من وقتى جدا، أذاكر وأقرأ فى كل المجالات، كنت أقرأ حوالى 4 كتب كل شهر، وكانت حياتى معتدلة ومستقرة إلى حد كبير، حتى وصلت للعام الثالث بالكلية، بدأت الأوضاع فى الانحدار باستمرار، حتى وصلت إلى درجة لم أكن أتخيلها لنفسى مطلقا من قبل.
فى هذه السنة بدأت علاقتى بالنت وبالمواقع الإباحية تحديدا، وبالرغم من إنى كان لى أصحاب آخرين محترمين على النت، وكنا نشارك فى منتديات بناءة وهادفة، إلا أن العلاقة لم تستمر، وظلت صلتى بالنت هى عبارة عن المحرمات وفقط، كنت أخجل من نفسى فى البداية، ولكنى مع الوقت أصبحت لا أبالى، فقد أطلقت بصرى تماما على النت وعلى أرض الواقع أيضا، وأصبحت أفرط فى كل ما هو عادة سيئة، سهر، شرب منبهات، عادة سرية، شيئا فشيئا أصبحت أدرك أنه باختصار ضميرى قد مات.
وكانت النتيجة المتوقعة هى أنى تخرجت بتقدير ضعيف طبعا، وهو شىء أندم عليه بشدة، ولا أتوقف عن لوم نفسى بشأنه، وهذه صفة من صفاتى أنى دائما ما أفكر فى الماضى، وأبكى على اللبن المسكوب باستمرار، إلى أن جاء مكان تدريبى فى منطقة (سيئة السمعة) لا يتراجع فيها إنسان أو إنسانة عن فعل أى نوع من أنواع المحرمات، حتى أنه عرضت على الفاحشة أكثر من مرة، وبإصرار، لكنى رفضت، والحمد لله أنى رفضت، فربما هذه هى المعصية الوحيدة التى لم أقم بها حتى الآن، لكنى حتى عندما رفضت لم يكن من باب البعد عن الرذيلة، أو تقوى الله، إنما كان من باب الخوف للآسف.
ما أنا عليه الآن هو عبارة عن بقايا إنسان، حلاوة روح لا أكثر ولا أقل، لم أعد أصلى، لقد أفطرت فى رمضان هذا ٦ أيام بسبب العادة السرية، أصبحت عصبيا لا أطيق سماع أحد، منعزل أمام الكمبيوتر والإنترنت معظم الوقت، تركت العمل الخاص ومقتصر على عملى الحكومى، وهو يومين أسبوعيا وبمرتب هزيل طبعا، لا أخرج، لم أعد أقرأ أو أشترى كتبا مثلما كنت، لا أفعل أى شىء طيب فى حياتى... أنا ميت.
الغريب أنى لدى أصدقاء غاية فى الاحترام كثيرا ما نذكر نفسنا بالعمل الصالح والتقوى، ولكننى لا أنفذ، أحبهم ويحبوننى ويثقون فى أيضا، أعامل الناس مهما كانوا بسطاء بود، والحمد لله أترك فيهم أثرا طيبا، لم أتعرف أو أخرج مع بنات طيلة دراستى وحتى الآن، حتى ولو فى حدود الزمالة، أعشق البرمجة والكمبيوتر، ولدى أفكار مشاريع رائعة، ولكنها لا تنفذ، يشيد بى الآخرون، ولكنى أشعر بمرارة وأود أن أقول لهم إنى لست مثلما ترون بل أسوأ.
على مدار الفترة الماضية (السنة) بأكملها حاولت مرارا أن أتغير واستمعت إلى كثير من الشرائط الدينية، وقرأت كثيراً من مقالات التنمية البشرية أبدا بحماسة ولكن سرعان ما يخبو حماسى ويفتر، وأعود إلى سابق عهدى وأسوأ، فكرت أن أذهب إلى طبيب نفسى، ولكنى تراجعت لأنى لا أريد أدوية، حيث إنى مازلت فى بعض الأحيان أتناول أدوية كى أتمكن من النوم، أعتقد أنى مثال رائع لمن يريد تحطيم نفسه، أنا لم أحقق شيئا على الإطلاق، رغم أنى أثق أنى لدى الكثير من المواهب، وعائلتى ترى ذلك أيضا، خصوصا أخى الأكبر الذى يرى أنى أهدر نفسى وطاقتى فى الجلوس وفعل اللاشيء، لا أدرى ماذا أفعل ومن أين أبدأ؟، أتمنى أن أنتحر بالفعل فليس لى رغبة فى فعل شىء، على الأقل أتوقف عن فعل تلك الذنوب، تفكيرى أصبح سلبيا لا أرى أى شىء إيجابى فى نفسى، أصبحت أكره نفسى وتمنيت أنى لم أولد حتى لا أكون فى هذا الشقاء.
د.هبة أتمنى من الله أن تساعدينى وأتمنى أن يتابعنى أحد، أنا بالفعل أريد المساعدة، لم أعد أحتمل نفسى وما أفعلهن فأنا أريد حياة سليمة، وأريد أن يرضى الله عنى، وأن أكون سليم نفسيا، وأزيل ما بداخلى من مرض، أرجوك ساعدينى وأنا مستعد أن أفعل أى شىء لأستعيد حياتى مرة ثانية.
وإلى (أ) أقول:
أولا لفت انتباهى أسلوبك الجميل والمنمق و(الأدبي) جدا فى كتابة رسالتك، واستنادا إلى الكم من الهائل من الرسائل الذى أقرأه، أقول لك أنك فعلا شخص موهوب على الأقل من الناحيه الأدبية، إضافة إلى شغفك بالكتب والقراءة، وحبك للبرمجة وأفكارك الجديدة حولها، وكونك خريج إحدى الكليات (الشاقة)، كل هذه المؤهلات لا يمكن أن تجتمع بشخص عادى، فأنت بكل تأكيد شخص له قيمة، ولديه القدرة، وأنها لخسارة كبيرة أن تفقدك بلدك، وأن تفقد أنت حياتك وأنت بمثل هذه المقومات.
ثانيا مشكلتك هى القاسم المشترك بينك وبين الكثير من شباب هذا الجيل للأسف، ألا وهى (فقدان الطريق)، صحة وفيرة، شباب متقد، وقت فراغ كبير، عدم وجود هدف، تلك هى مكونات (الخلطة السرية) للضياع بعينه، لهذا أنا متأكدة مليون بالمائة أنك لست شخص سيئ، أو محب للمعصية، أو ميت الضمير كما قلت عن نفسك، بالعكس، كل ما هنالك أنك وقعت فريسة للفراغ وغياب الغاية، وأكبر دليل على أنك مازلت حيا من داخلك، أنك ترفض هذا الواقع الذى تعيشه، وأنك تتألم من أنك تعيش فى معصية، وأنك تبحث عن المساعدة، وتتمنى الخروج من هذا المأزق، فإن كنت شخصا لا أمل فيه لكنت استمرأت الكسل والانحدار، ولكنت هويت العيش فى القاع.
لقد لعب بك الشيطان مرة، عندما أخذ بيدك لمزيد من المعاصى، وعندما هيأ لك نفسك بأنك ضائع... لا وجود لك، ميت كما قلت عن نفسك، لكنى أنبهك لا تجعله يلعب بك مرة أخرى، ويجعلك تسلم بأنك شخص غارق فى المعاصى والبعد عن الله وعن كل مظاهر الخير، وبالتالى توقن أنه لا أمل فيك، وأنه قد فات الوقت، وأنك ذهبت فى طريق بلا رجعة، فكم من الصالحين بدأوا حياتهم عصاة، وكانوا أبعد ما يكون عن الله وعن طريقه، بل حتى كم منهم لم يكن يعبد الله من الأساس، ومن أشهرهم الفاروق (عمر بن الخطاب) و(خالد بن الوليد) اللذان بدأ حياتهما يحاربان الإسلام، (مالك بن دينار) الذى كان يشرب الخمر ويقطع الطريق ويسرق من الأسواق، وأنهى حياته من أعبد عابدين زمانه وأفقههم أيضا، (قاتل المائة نفس) الذى قرر التوبة بعد أن قتل مائة شخص، ومات بعد توبته فورا فأراد الله أن نعرف خبره، وأن نعرف أن الملائكة حملته إلى الجنة، حتى أنه فى عصرنا الحديث هناك أمثلة كثيرة لأشخاص كانوا أبعد ما يكون عن الصلاح والحياة المستقيمة، وأراد الله أن يردهم إلى دينه ردا جميلا، ولولا أنى أخاف التجريح فيهم لكنت ذكرت لك أسماء بعض منهم، صدقنى أنت مثلهم، بذرة طيبة ضلت طريقها إلى الأرض الطيبة، إذا كل المطلوب منك هو أن تبحث عن الأرض التى يجب أن تبدأ منها، ولا أقصد هنا أن تغير مكانك أو أن تسافر، ولكنى أقصد أن تغير (البيئة) المحيطه بك، فمن فضل الله عليك أنك لديك أصدقاء من الممكن الاستناد عليهم لمساعدتك، تمسك بهم (بإيديك وسنانك) فهؤلاء هم أول الخيط، يقولون فى المثل (الصاحب ساحب) أى أنه يسحبك معه فى طريقه دون أن تشعر، وتلك حقيقة يجب أن تستغلها، فعندما تخالط أشخاصا طيبين سيدفعونك لا إراديا إلى الطريق السليم، ولن يعد لديك كل هذا الوقت والجهد لكثير من المعاصى التى تقوم بها الآن.
ابدأ طريق العودة بتوبة نصوحة خالصة من قلبك إلى الله، وادعوه بصدق أن يعينك وأن يقبلك وأن يفتح عليك ولك كل سبيل للخير ولحبه، صدقنى أن فعلت فقد أنجزت أكثر من نصف الطريق، أما النصف الثانى فسيكتمل بعودتك إلى الصلاة ولو حتى بالتدريج، وبعودتك التدريجية أيضا إلى ما كنت تفعله من أشياء مفيدة، كهواياتك وعلاقاتك بأصدقائك وبأهلك.
ثم ضع كل جهدك بعد ذلك فى تقليص ما تعيش فيه من فراغ، لماذا تكتفى بعمل يومين فى الأسبوع وبمرتب هزيل؟، لماذا لا تسعى إلى عمل جاد تتعلم فيه وتستفيد منه و تفيد من خلاله؟، من المؤكد أنك ستحتاج إلى أن يكون لك دخل محترم فى يوم ما، لماذا لا تسعى إلى ذلك من الآن؟.
وإلى أن توفق إلى هذا العمل لماذا لا تشارك بوقتك وطاقتك وأفكارك فى أحد الأماكن التطوعية الخيرية؟، هناك ستجد لك ضرورة وأهمية، وستجد لك غاية وهدفا، وستجد صحبة صالحة تفتح لك آفاقا جديدة، وحينها صدقنى لن تجد لديك الوقت ولا الرغبة فى العودة إلى ما كنت عليه من ضياع.
أعلم أن الكلام سهل، وأنك بحاجة إلى متابعة ولو حتى فى البداية، لهذا أنصحك بالبحث عن مستشار أو أخصائى نفسي، وليس طبيبا نفسيا يتعامل بالأدوية كما تخشى، فقد أصبح هناك بعض العيادات النفسية الآن التى يوجد بها أخصائى كل دوره هو الحوار والتفاهم والإرشاد، كذلك يمكنك اللجوء إلى بعض مراكز التنمية البشرية (الموثوق بها) لإرشادك ومساعدتك.
أنا كلى ثقه بك وبأمثالك من الشباب الذين يعتقدون أنهم (ضائعون)، فصدقنى العيب ليس بشخصك، ولكن العيب فى الطريق الذى تسلكه، وهو شىء قابل جدا للتغيير.
للتواصل مع د. هبة و افتح قلبك: H.YASIEN@YOUM7.COM
(افتح قلبك مع د. هبة ياسين).. أنا بضيع يا وديع!!
الخميس، 06 أكتوبر 2011 12:33 م
د. هبة ياسين
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
نصيحة
عدد الردود 0
بواسطة:
ghada
help us God
may God help us and bless all of our youth
عدد الردود 0
بواسطة:
فيروز
مشكلة الجيل