لكى ننتصر على جحافل شياطين الإنس والجن، ومكائدهم وشرهم؛ فلابد وأن نؤمن بعقيدة صحيحة تنير الأبصار والعقول، حتى لا يتخلل الباطل وقادته بيننا لتزيين شرائع الضلال؛ لأن جميع النظريات تؤكد من لم ينشغل بالحق فتن بضده، ومن لم يهتد بنور العلم تخبط فى ظلام الجهل، من المؤسف أن يتوهم كثير من الناس أن التأخر الحضارى فى وقتنا الحالى قد يمكن أن يستبدل بسنن الغرب المتقدمين، لأنهم يعدون ذلك هو طريق النجاح والفلاح، وما أحسبه إلا طريق شقاء وعناء، واقتراب من الهلاك.
إن الداء أن يصبح الإسلامُ مجرد مسميات على الأوراق؛ ودواؤه أن ننهل من هذا التشريع الربانى قربا ومدارسةً، إذ من المعلوم أن الذل يصيب من ابتغى العزة فى غير ما يشرعه الله؛ ولذا أيقن المستشرقون والمستعمرون - وما زالوا - من خلال الصراع الطويل مع الإسلام وأهله أن مصدر القوة هو العقيدة، ولذا سعوا جاهدين فى تعميق ولع البعض عنها بمسميات ومصطلحات فكرية كثيرة، نتيجة الانسياق الأعمى للغرب، مما أدى إلى الاحتلال العسكرى فى بلاد المسلمين، وكانت الطامة الكبرى والغنيمة المقتصدة هى إسقاط الدين وتشتيته، ومحاولة تحريفه، بسبب استبدالنا تلك العقيدة بالفكر والمنهج الغربى، حتى بلغ الانحطاط البشرى أوسع مداه من الفساد، وافتقدنا التوجه إلى طريق الرشاد والعلم والدعوة الصحيحة، برغم أننا نعلم أن النجاة فى الرجوع إلى ما أنزله الله.
إن حاجة الإنسان إلى عقيدة وتشريع كحاجته إلى ضروريات وأساسيات بقائه، لكى يوقن بوجود خالق ومدبر، ورازق وقادر، وكل ما وصف الله به نفسه، لكى يعلم كيف ُخلق؟، ولماذا ُخلق؟؛ حتى لا يركع لغير الله ولا يتوجه لغير تشريعاته التى سمت به فوق سائر مخلوقاته وحفظت له حقوقه، وحقوق غيره من تحريم للدم والمال والعرض، واحترام مشاعر الآخرين وعواطفهم، واعتراف بالحريات الشخصية المقيدة بتشريع ربه، حينما يعلم الإنسان ذلك يعرف أنه مكرم عند ربه، إذ يسر له كل خلقه، فيتوجب له حينها الطاعة فيما أمر ونهى، طاعة تهذب النفوس، والمشاعر وتكمل الأخلاق، فيعلم حينها أن ربه غنى، وإن افتقاره إليه فى كل شأنه حتى فى أنفاسه، فبالله يحيى ويتوكل ويعتمد ويقتصد، فهو المالك له الذى يرجع إليه.
إن من أهم الدوافع التى شجعتنى على التطرق لهذا الموضوع عدة أسباب منها:
أولاً:
إن أهل كل زمان يحتاجون أن يصلهم الحق بلغتهم، وبالطريقة التى تصل إلى عقولهم، وتوافق هممهم؛ لذلك كانت مهمة الرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - هى ترسيخ العقيدة فى القلوب، وتصحيحها وتثبيتها، فإن العقيدة أصل أقام الإسلام عليها بناءً شامخاً عظيماً، ولذا كانت مهمة أوائل الأمة هى تحقيق العقيدة الصحيحة بالتوحيد الخالص لله والعمل بمقتضى أمره، ولهذا أُصُر على أن الإصلاح فى المجتمع الإسلامى يبدأ بإصلاح العقيدة أولاً، والذى أعنيه بالإصلاح هو سلوك درب الأنبياء، وعلى رأسهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، والبدء فى تعلم شرع الله، الذى يقابل برفض شديد من بعض التغريبيين هذه الأيام، إن العقيدة هى الأمن والاستقرار والسعادة والسرور، وترتقى بالإنسان إلى مكان سام يليق به، وتنقذه من رق العبودية لغير الله، وتحرره من استعباد إنسان مثله له، والانقياد للخرافة والأهواء، وتعلمه أن كل الناس سواسية، والفرق بينهم هو التقوى، ولا نعطى أحداً منا أكبر من قدره وحجمه مهما علا شأنه ومنصبه.
إن المعرفة بالله من شأنها أن تفجر مشاعر نبيلة، وتوقظ الخير الراقد فى النفوس، وتحيى فيه المراقبة لله عز وجل، فتنأى به عن سفاف الأعمال ومحقراتها، والمعرفة بالملائكة تدعو إلى التشبه بهم، والمعرفة بالكتب إنما هى عرفان بالنهج الرشيد الذى وضعه لنا الله كى نصل إلى أسمى درجات الكمال، والمعرفة برسله لكى نتخلق بأخلاقهم وخطاهم، والمعرفة باليوم الآخر أقوى باعث على فعل الخير وترك الشر، والمعرفة بالقدر هى التى تزود الإنسان بالطاقة لتجعله ينجو من كل العقوبات، فحينما نؤمن بكل ذلك نُمكن فى الأرض، ونعمل على إعمارها، ونؤدى رسالة الله- سبحانه وتعالى - بتحقيق شرعه فى الأرض، فالعقيدة تدفعنا إلى العمل الجاد المخلص، لأننا نعلم أننا مأمورون بذلك ديناً، ومثابون على كل ما نقوم به من عمل جل ذلك أم صغر.
ثانياً:-
إن المصيبة التى نعيشها هى أننا نعلم كل ذلك ولكن نتخاذل عن النصرة له، حتى أن النصوص والقواعد السليمة المفسرة من خلال سلفنا الصالح نتقبل جزءاً منها ونرفض الآخر، وهذا ما يؤكد الخلل فى اعتقاد الشخص وليس فى العقيدة، ومن العجيب أننا نجد ممن نقلدهم، يؤمنون بعقيدتهم ويدافعون ويقاتلون من أجلها، رغم كونهم على باطل، فالعجب إذن من تمسكهم، ويحاولون تضليلنا بغيره من المناهج، ونحن بأيدينا الحق ونلتف لكى نتسربل بغيره، فنصبح عراة بلا هوية.
إذا كان الادعاء عن استغناء الإنسان بالإيمان بالله وبما أراد وبما ورد من سنة الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - واستبدلها بالعقل، والتحليل للنظريات على نظير إنه عرف الطبيعة والعلوم، أو أننا نعيش فى عصر الذرة، وغزو الفضاء، وصرنا لا نخاف من المرض والفقر والفيضانات؛ فهو ادعاء محض لا وزن له، ولا قيمه أبداً؛ لأن الإنسان مهما بلغ من الرقى فى العلوم، والأسلحة التى يحارب بها ما يخشاه لم تؤمنه؛ لأن الآلام التى نعيشها يوماً بعد الآخر فى كل أنحاء الوجود البشرى، مازالت فى تطور مفاجئ وخارق للطبيعة الكونية، وعلى سبيل المثال وباء الكوليرا، وأمراض السرطان، والصرع، فهى ما زالت تفتك بالآلاف من الناس، وفى كل سنة تزداد المجاعات وُتهدد مناطق كثيرة فى العالم، أقربها الصومال، تشرد وقتل وزلزال من حين إلى حين؛ ومع ذلك لم يستطيع الإنسان أن ينجو من المحن وعظم الخطب واشتد علينا البعد عن الأمر الذى خلقنا الله له، فأصبحنا فى تمزق وهبوط شخصى ونفسى وسقوط ُخلقى، أفقدنا طعم الحياة ولذتنا فى الوجود!!
وختاما أقول: إن العقيدة الصحيحة التى يرضاها الله لنا هى التى تنقلنا من التخريب والتدمير إلى الإصلاح والتعمير، وإن الاعتقاد بالله وتعظيمه حقُّ قَدْرِهِ هو الضامن الوحيد الذى يجعل الإنسان ثائراً على الباطل منتصراً بالحق، فعندما يتبرأ الإنسان من حوله، وقوته وطوله ومن الأنا ويعلم يقيناً أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، ولا سبيل فى ذلك إلا بصدق طلب العون من الله، وأن يعلم أن النفس كالطفل إن فطمت عن العصيان وألجمت بالتقوى وألهمتها بالخوف والمراقبة لله - سبحانه وتعالى-، فحينها سيكون الانقياد الصحيح، والإيمانُ أن لهذا الكون رقيباً يحاسب على ما يصدر من المخلوقين؛ وحينها تخمد نزعة القيام بأعمال الشر ويصحو الخير والإحسان، فتصلح العقيدة الصحيحة من التكبر والجبروت والطغيان إلى التواضع وحب الآخر، فإذا طبقنا المعتقد الصحيح يأتى يومها النصر والنجاح المراد.
أبالله وآياته تستكبرون وتكفرون، فبأى عقل أنتم تسمعون، أما آنت عودتكم إلى ربكم فتطيعون وتخضعون، وما نحن لكم إلا محبون، وداعون إلى جنات خلد، فيها تنعمون وتسعدون؟!!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
رحمه
بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
أمير إبراهيم
موضوع جميل
عدد الردود 0
بواسطة:
ناديه
اللهم اعز الاسلام بامثالك
عدد الردود 0
بواسطة:
د/محمد كمال
ان الذكري تنفع المؤمنين
كلام جميل يا باشمهندس وربنا يزيدك من علمه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود رمضان
عز في العقيدة طبعا
عدد الردود 0
بواسطة:
ابوملكككككككككككك
ه\ا بلاغ للناس
عدد الردود 0
بواسطة:
سمير ابو السعود
الاسلام بين الفكر والعقيدة فى عيون المجتمع
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفي الالفي
معجب بكتابات معاليكم
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد نورالدين الطماوي
زادك الله من علمه ونعيمه وايمانه
مقاله غايه في التألق والجمال..
عدد الردود 0
بواسطة:
هاشم ابوسداح
الحمد للة على نعمة الاسلام وكفى بها نعمة ....