قالت مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى إنه يبدو أن جميع القوى السياسية فى مصر متّفقة على ضرورة جعل المؤسسة الدينية الرئيسة فى البلاد، أى الأزهر، أكثر استقلالاً عن النظام، مضيفة "لكن هذا الاتفاق مضلّل جداً، فهو يخفى صراعاً داخل الأزهر وبين القوى السياسية الرئيسة على دوره فى المجتمع المصرى".
وأرجعت مؤسسة كارنيجى للسلام وفقا لورقة بحثية أجراها ناثان ج. براون وجاءت تحت عنوان "الأزهر فى حقبة ما بعد الثورة"، هذا الصراع إلى أن الأزهر الذى هو فى جزء منه مسجد وجامعة ومركز للبحوث الدينية والمعرفة، قد يكون العنصر الرئيس - وبالتأكيد الأهمّ - فى مجمّع الدولة والدين فى مصر.
وأكدت مؤسسة كارنيجى أن مصر تمتلك أجهزة بيروقراطية كبيرة جداً تشابك بين الدين والدولة، قائلة "لا أحد فى مصر يجادل للفصل بين الدين والدولة، والخلاف هو حول الشروط والوسائل التي سوف يتفاعلان من خلالها. الجميع فى الأزهر يريد له أن يصبح أكثر موثوقية واحتراماً، ومستقلاً بذاته، لكن ثمّة خلافات حادة حول كيفية تحقيق ذلك ومدى نطاق نفوذه. وثمة مناقشة مماثلة خارج أسوار الأزهر، حيث يتم التعبير على نطاق واسع عن الدعوة إلى جعل المؤسسة أكثر استقلالاً، ولكن لأسباب مختلفة جداً".
وأوضحت المؤسسة أن النتيجة الأكثر ترجيحاً لهذا الصراع ما بعد الثورة هى وجود دولة متأثّرة بالدين، ولكنها ليست دولة دينية على النمط الإيرانى، مؤكدة أن الرؤى المتباينة لما يعنيه ستؤدّى إلى معركة سياسية، لا يتم خوضها على مستوى الجدال الفلسفى المجرّد، بل على الخلفية المسهبة جداً للصياغة القانونية. وقد بدأت هذه العملية بالفعل، وستُطرَح بقوة على أجندة البرلمان الجديد.
وأشار "كارنيجى" إلى أن النتائج الأكثر إثارة لثورة مصر حتى الآن تمثّلت فى رحيل رئيسها حسنى مبارك الذى قضى ردحاً طويلاً من الزمن فى الحكم، وفى تولى مجلس عسكرى للسلطة، وفى الوعد بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وإعادة الحكم المدنى، ووضع دستور جديد، موضحا أن عملية إعادة بناء النظام السياسى فى البلاد تستقطب اهتماماً يمكن تبريره.
وأضاف ناثان ج فى ورقته البحثية، أن ما يحدث فى مصر يتجاوز ذلك بكثير، لافتا إلى انهيار الرئاسة المستبدّة والمتغطرسة، والانخراط المتزايد لقطاعات واسعة من السكان فى الحياة السياسية، والبيئة السياسية الغامضة التى تتيح لجميع أنواع الهيئات المصرية التملّص من سيطرة الدولة.
ومضى يقول "كانت علائم الاضطراب واضحة فى وسائل الإعلام التابعة للدولة، وفى الجامعات، وفى السلطة القضائية. وكان ثمّة معارك تلوح فى الأفق حول دور تلك الجهات فى مصر ما بعد الثورة. صحيح أن بعض التغييرات كانت تختمر حتى قبل انتفاضة يناير، لكن منذ استقالة مبارك القسرية، أصبحت الجهود المبذولة لإعادة تكوين مؤسسات عديدة وأساليب إنجاز الأمور أكثر جرأة، وغالباً من دون أن تثير الاهتمام بسبب الدراما السياسية المهيمنة على انهيار نظام سلطوى".
واستدرك "من السهل التفكير فى كل هذه التغييرات من حيث علاقتها بالمزيد من الحرية والليبرالية والديمقراطية. فهذا هو بالضبط ما ينطوى عليه الأمر فى كثير من الأحيان، حيث يكافح الصحفيون من أجل مزيد من الاستقلالية، ويحاول العمال تنظيم صفوفهم، وتندفع الأحزاب السياسية للحصول على تراخيص. لكن الحكاية فى مصر اليوم أكثر تعقيداً. فقد تلعب المؤسسات الهامة فى الحياة المصرية أدواراً مختلفة جداً عما كان عليه الحال فى الماضى بطريقة ربما من الصعب توقّعها، وقد لا تكون عاملاً فى إرساء الديمقراطية دائماً".
وتابع "أصبح تحديد العلاقة بين الدين والدولة عنصراً مركزياً فى الصراع حول التحوّل السياسى فى مصر. فقد تَرَكَّز الكثير من الاهتمام الدولى على المجال الانتخابى، لسبب مفهوم، حيث تطفو على السطح الحركات الإسلامية التى قمعت على مدى عقود وتقوم بتشكيل أحزاب سياسية. لكن فى حين أن الانتخابات والبرلمان الذى سينتج عنها ستكون موقعاً هاماً للصراع، فإن وجود جهاز بيروقراطى كبير جداً يشبك بين الدين والدولة فى البلاد يمثِّل مكاناً أقل إثارة ولكن حيوياً للنقاش بالقدر نفسه. فالدين جزء من المناهج التعليمية والإذاعية؛ والعديد من المساجد فى البلاد مملوكة للدولة وتدار من خلال وزارة الأوقاف، وتصدر دار الإفتاء فتاوى للفعاليات الرسمية عندما يطلب إليها ذلك. لكن، ربما يكون الأزهر هو العنصر المركزى، وبالتأكيد العنصر الأهم، فى مجمع الدولة-الدين".
واستطرد "بدأت المؤسسة قبل أكثر من ألف عام كمسجد ومركز هام للتعليم الإسلامى. أما اليوم فالأزهر هو أكثر من مجرّد كونه مسجداً؛ إنه الآن أحد كيانات الدولة الذى نما ليصبح عملاقاً يدير أجزاء كبيرة ومتنوّعة من الجهاز الدينى والتعليمى فى البلاد".
ورأى ناثان أن تحديد العلاقة بين الدين والدولة أصبح مركزياً فى الصراع حول التحوّل السياسى فى مصر، مؤكدا أن هيبة الأزهر تتّجه نحو علاقة معقّدة ومتناقضة مع الحركات الإسلامية فى البلاد.
واعتبر أن الحرم الجامعى فى الأزهر ظل خارج نطاق الثورة إلى حدٍّ كبير، ولم تَجْرِ خلال العقود السابقة سوى تظاهرات متفرّقة فقط بشأن قضايا دينية ودولية، قائلا "الثورة فجّرت صراعاً على إدارة المؤسسة ودورها فى المجتمع المصرى".
وقال: "ليس من الواضح أنّ من شأن دور أكثر قوةً للأزهر أن يضعف الجماعات الإسلامية، لكن غالباً مايكون خصوم الإسلاميين توّاقين إلى وجود أى ثقل موازن محتمل. ولا يتّفق الإخوان المسلمون بأى حال من الأحوال مع الر أى القائل بأنّ إحياء الأزهر سيعنى انتفاء الحاجة إلى دورهم فى المجتمع".
وأكد أن ثمة توافقا ظاهريا قويا فى الآراء يرى وجوب أن يكون دور الأزهر مستقلاً ومحترماً وداعماً للهياكل الديمقراطية، وأنه غداة الثورة المصرية، يجرى نقاش هادئ ولكن مكثّف بشأن إدارة الأزهر فى البلاد، وهيكله والدور الذى يلعبه فى الحياة العامة.
وأوضح أنه لا أحد يجادل فى مصر لصالح الفصل بين الدين والدولة؛ بل تتمحور الخلافات حول الشروط والوسائل التى سيتفاعل من خلالها الطرفان، مؤكدا أنه ثمة توافق ظاهرى فى الآراء على وجوب أن يصبح الأزهر أكثر استقلالاً، لكن المشاركين فى هذا الاتفاق الظاهرى واعون لخلافاتهم أكثر من القواسم المشتركة فيما بينهم، ولسبب وجيه. فهم لديهم رؤى متباينة بشكل حاد لكيفية إدارة الأزهر، والدور الذى يجب أن يلعبه فى المجتمع والسياسة المصرية.
ولمح إلى أنه نظراً لمركزية الأزهر، فإن نتيجة الصراع بين هذه الرؤى ستشكّل بصورة عميقة دور الدين فى الحياة العامة المصرية، موضحا أن المصريين يستخدموا فى بعض الأحيان مصطلحات «الجامع الأزهر » أو «جامعة الأزهر» للإشارة إلى مجمع المؤسسات المرتبطة به.
وأردف "بطبيعة الحال فإن الجزء الأقدم هو المسجد نفسه، الذى بنى فى القرن العاشر على يد (من المفارقات بالنسبة إلى رمز التعليم الدينى السنّى) السلالة الفاطمية الشيعية. وقد ارتبطت بالأزهر جامعة شاملة منذ العام 1961، عندما تمت إضافة مجموعة من الكليات المدنية (غير الدينية)، بعد أن كان التعليم العالى فى الأزهر حتى ذلك الحين شاملاً لكن مكرسا حصرا للدراسات الإسلامية".
"كارنيجى": صراع خفى بين الأزهر والقوى السياسية بعد الثورة ينتج عنه دولة شبه دينية.. ولا أحد فى مصر يجادل للفصل بين الدين والدولة.. والاهتمام الدولى بالانتخابات يرجع إلى عودة الحركات الإسلامية
الثلاثاء، 04 أكتوبر 2011 04:02 م