فضيلة مفتى ليبيا يثير الاستفزاز والاشمئزاز معاً، لقد انتبه فضيلته فجأة أن العقيد معمر القذافى كافر ولا يجوز دفنه فى مقابر المسلمين، ولا أعرف على أى أساس استند المفتى فى تكفير القذافى، كان القذافى طاغية ومجنونا ومجرما منذ زمن بعيد، وقلنا وقال كثيرون ذلك مبكراً، أما قضية الكفر فهذا أمر آخر، كنت أفهم أن يدين المفتى الطريقة الهمجية التى قتل بها القذافى، ذلك أن القذافى من لحظة أن أمسك به الثوار، صار أسيرا وللأسير الكثير من الحقوق، لم يحترم آسروه أيا منها، سواء بالمعيار الإسلامى أو بمعيار القانون الدولى المعاصر، ليس من حق أحد إهانة الأسير بصفعه وجره على الأرض، أقصد سحله وضربه حتى إسالة الدم منه، إذا حكم على مجرم بالإعدام فمن واجب المسؤولين سؤال من سيعدم قبل تنفيذ الحكم إن كانت له مطالب، ويذهب إليه أحد رجال الدين يلقنه آيات الصبر ويمنحه فرصته أن يبدى ما لديه لمرة أخيرة، ولم يحدث أى شىء من هذا مع القذافى، ولم يثر ذلك الذى حدث نخوة مفتى ليبيا الدينية والعقائدية، بل خرج وكأنه يبارك ما تم ويبرره بالقول إن القذافى كافر، حتى الكافر لا يجوز أن يعامل هكذا يا فضيلة مفتى ليبيا، وهذا ما كنا نتوقع أن نستمع إليه من المفتى، كان يجب أن يقولها بشجاعة حقيقية، لا أن يركب الموجة.
السؤال المعضلة إن كان القذافى كافرا.. فكيف قبل مفتى ليبيا أن يمارس عمله فى دولة يحكمها كافر، وكيف قبل هذا المنصب وهو يعلم أن القذافى كافر؟ وأن ذلك «الكافر» هو فى نهاية الأمر من اختاره لذلك المنصب، وهو نفسه ذلك «الكافر» لن يختار أحدا لمنصب مهم ما لم يكن على ملته وطريقه؟!
وإذا كان فضيلة المفتى يعلم أن رئيس البلاد كافر فكيف ولماذا صمت؟.. ألا يعلم فضيلة المفتى بالمقولة الإسلامية: إن أفضل الجهاد عند الله كلمة حق لدى سلطان جائر، فلماذا لم يقم المفتى بدوره فى ذلك الجهاد، ويعلن رأيه فى القذافى مبكرا، بل إن القذافى فى بداية الثورة خرج ليتهم الثوار بأنهم «جرذان..» فلماذا لم يعقب المفتى على هذا الوصف، وينتقد القذافى وينحاز إلى الثورة فى لحظاتها الأولى؟
فتوى مفتى ليبيا تثير قضية حذرنا منها رسول الله، وهى التنطع فى الدين، ونحن الآن نعيش حالة من التنطع البالغة، لا يمارسها مسلمون عاديون، بل تصدر عن علماء ورجال دين فى مقام الفتوى والإفتاء، ومن ذلك الفتوى التى صدرت عندنا بأنه لا يجوز الزواج من الفلول، وماذا لو اكتشفت سيدة أن زوجها من الفلول، وإن كانت هذه الزوجة المسكينة أنجبت من ذلك الفل هؤلاء الأبناء؟.. هل تطلب منه الطلاق بناء على الفتوى السابقة، الفلول قضية سياسية فى المقام الأول، وهى أيضًا قضية قانونية، فما شأن الفتوى الدينية بذلك؟.. ونعيد نفس التساؤلات.. لماذا صمت أصحاب هذه الفتوى عن الفلول، أيام أن كانوا بحزبهم - المنحل - يحكمون البلاد ويتحكمون فى مصائرها.. لماذا صمتوا عن الظلم والفساد حين كان مستشريا، وتركوا المستبدين فى استبدادهم، واليوم بعد أن سقط نظام الفلول، فيطلقون الفتاوى مرة بأنه حرام الزواج منهم وحرام التصويت لهم.. وهكذا وهكذا، كلام لا يليق أن يصدر عن علماء واجبهم أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم وأن يواجهوا الجائر وهو فى عنفوانه.
من مفتى ليبيا إلى أصحاب الفتاوى فى مصر يا قلبى لا تفرح، المفترض أن الفتوى تطلق بميزان من الذهب، يدرك صاحبها مخاطرها ومصداقية ما يرد فيها ومدى اتساقه مع الواقع الاجتماعى والإنسانى، فضلاً عن اتساقه مع روح الإسلام، أى العدل والإنصاف، لأن الفتوى إذا خرجت من منهجها وقواعدها، ثم ثارت مع الهوى الخاص أو الغرض، لم تصبح فتوى، بل تصير نفاقا اجتماعيا وسياسيا، أو تصبح ركوبا لموجة الثأر والانتقام كما فى حالة القذافى، والدين ورموزه أجل من السير فى هذا الطريق.
كان أهل العلم والفضل يحذرون دائما من فقهاء السلطان والحذر يجب أن يكون أشد من هؤلاء حين يزول عن السلطان سلطانه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أم البنين
أحييك
أتفق تماما مع كل ما كتبته أحييك بشدة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسين
سبحان الله
عدد الردود 0
بواسطة:
طبيب بشري
سؤال بسيط؟
عدد الردود 0
بواسطة:
Tim Robbins
Silly