دعونا نعترف بأن القوى السياسية على اختلاف توجهاتها لها مطالب منها المناسب للظرف ومنها ما هو غير مناسب لما تعيشه مصر الآن، وما نراه على الساحة السياسية يحتاج من الكل أن يكون على مستوى المسئولية، وأن تكون المطالبة بالحقوق المشروعة بوسائل مشروعة والابتعاد عن كل ما يسىء شكلا وموضوعا إلى مصر وإلى حضارية الثورة التى بدأت بشكل لم يسبق له مثيل وانتهت أيضا بشكل غير مسبوق، وأعنى هنا بالانتهاء هو توجه القوى كل القوى نحو العمل السياسى من أجل بناء دولة متطورة على مستوى الإنسان وعلى مستوى العمران، والنظر إلى المستقبل وعدم النظر تحت الأقدام بما هو معروف عنه من أن من ينظر تحت قدمه عرضة للوقوع، وكلنا أمل فى أن نعبر هذه المرحلة بأمان حتى نلحق بالدول التى سبقتنا إلى التطور والتنمية، لا أقول أمريكا أو اليابان أو حتى الصين التى تعمل فى صمت مريب ودون ضجة حتى باتت قوة عظمى تخشاها أمريكا العظمى ودول الاتحاد الأوربى، ولكن مثل بعض الدول العربية ودول شرق آسيا وتركيا التى نتحسر على مصر الحضارة إذا رأينا ما وصلت إليه هذه الدول من تطور فى كل المجالات من طرق نظيفة ومريحة ونظام مرورى لا يصيب السائق بضغط الدم أو مرض السكر وناطحات سحاب وأبراج ترد الروح، وقبل ذلك إنسان مرتاح البال تدلِـله دولته وتحترمه وهو عندها رأس مالها وتاج رأسها، رافعة شعار "الإنسان قبل المكان"، يعمل ويكد ويجتهد ولا يخشى أحدا إلا الله والقانون.
وفى المرحلة القادمة فكلنا أمل أن نرى الطريق واضحة أمامنا لا لبس فيها ولا ضباب ينثره فى وجوهنا من ليس فى قلبه ضمير وليس عنده وازع من هذا الضمير، ليجعل الجميع يدور فى حلقة مفرغة من ثورة إلى اعتصام إلى إضراب إلى تفجير لخطوط الغاز، إلى السير نحو وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية أو غلق الشوارع أمام خلق الله بشكل لا يمت للحضارة ولا للإنسانية بشىء، وإذا كان كثير لا يؤمنون بنظرية المؤامرة، إلا أننى أؤمن بها كما يؤمن بها غيرى، أظن وبعض الظن حق أن أطرافا لا تريد لمصر القيام، وأياديها موجودة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومنا من يعطى لها الفرصة عارفا أو ليس عارفا، المهم أنه بمعرفته أو عدم معرفته ارتكب مصيبة فى حق بلده، فمن لا يريد لمصر الخير والتقدم ومن لا يريد لمصر انتصار ثورتها وتحقيق الديمقراطية لتكون أول ثورة تطبق فيها ديمقراطية بأقل الخسائر، ساهم فيها الجيش المصرى العظيم بحمايته للثورة والموجودين بالتحرير، وليس هذه شهادتى وحدى، بل شهادات سمعتها من زملاء وأصدقاء عرب سوريين ويمنيين يحسدوننا على ما نحن فيه من مؤازرة الجيش والمجلس العسكرى، وما تم مع الثوار من جانب الجيش حتى إن البعض منهم يتندر وينكت فيقول: "إن مبارك طلع جنتلمان بجوار بشار وعلى عبد الله صالح والقذافى!".
ولذا فإن ثورتنا لن تكتمل حقيقة إلا إذا انتقلت إلى مرحلة انتخاب مجلسى الشعب والشورى ووضع الدستور وانتخاب رئيس جمهورية على مستوى عال من الإدارة والحكمة والتريث ولا يكون ثورجيا ولا حنجوريا حتى لا يخطئ فى حق نفسه وفى حقنا، وانتقال السلطة إلى مدنيين وتكريم المجلس العسكرى والابتعاد عن كل ما يسىء إليه حتى لا نكون ممن يعضون اليد التى امتدت إليهم بالمساعدة.