انشغل الرأى العام خلال الأسبوعين الماضيين بالصراع الذى انفجر فجأة بين المحامين والقضاة، وتنظيم المحامين إضرابا عن العمل ووقفات احتجاجية بالأرواب السوداء فى محاكم القاهرة والجيزة وعدد من المحافظات، ومنع انعقاد الجلسات وإغلاق بعض المحاكم بالقوة والاعتداء على قضاة ومنعهم من أداء عملهم، ولجوء نادى القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند إلى إصدار بيان أيّد فيه قرار الجمعيات العمومية للقضاء تعليق العمل بالمحاكم لأجل غير مسمى ودعوة «باقى الزملاء إلى تعليق العمل بباقى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها حفاظا على أمنهم وسلامتهم»، واعتراض القضاة المنتمين لتيار الاستقلال على قرار النادى تعطيل العمل فى المحاكم وعلى مواقف المحامين.. والسبب المعلن لهذا الإضراب من جانب المحامين هو تعديل المادة 18 من قانون السلطة القضائية بما ينتقص من حصانة المحامى، إضافة إلى اعتراضات أخرى تتناول إلغاء المادة 47 من القانون والتى تنص على تعيين ما لا يقل عن 25 ٪ من المحامين المشتغلين أمام محاكم الاستئناف فى سلك القضاء، وتنص المادة 18 على أن «الجلسات علنية إلا إذا أمرت المحاكم بجعلها سرية مراعاة للآداب ومحافظة على النظام العام، ونظام الجلسة وضبطها منوطان برئيس المحكمة».
والتعديل المقترح يضيف: «والإخلال بسير العدالة أو بسير الجلسات يعاقب عليه بالحبس أو بالغرامة التى لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، فإذا وقعت الجريمة أثناء انعقاد الجلسات كان للمحكمة أن تأمر بالقبض على المتهم أيا كانت حصانته وإحالته إلى النيابة العامة بمذكرة فوراً، وعلى النيابة أن تتصرف فى الدعوى ضده خلال 48 ساعة، فإذا كان المقبوض عليه خصما فى الدعوى أو وكيلا أو شاهدا وجب تأجيل الدعوى».
وجاء إعلان المستشار حسام الغريانى رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى بإلغاء الاقتراح الخاص بتعديل المادة 18 ليضع نهاية مؤقتة لهذه الأزمة «المنتحلة» ولينتقل الصراع إلى القضية الرئيسية الخلافية بين القضاة أنفسهم، أى قضية استقلال السلطة القضائية.
لقد خاض نادى القضاة فى ظل تيار الاستقلال معارك متواصلة منذ عام 1984، وانطلاقا من عام 1991 انشغل القضاة فى ناديهم بصياغة مشروع قانون جديد لاستقلال السلطة القضائية، وأنجزوا عام 2005 مشروعهم متضمنا تعديل 35 مادة من القانون القائم وإضافة 7 مواد جديدة، منها مادتان لتنظيم شؤون نادى القضاة، وإلغاء 5 مواد وإضافة 4 مواد انتقالية، وتخصيص موازنة مستقلة تدرج كرقم فى الموازنة العامة للدولة ويكون مجلس القضاء الأعلى هو المتحكم فى الموازنة، ورفع يد وزارة العدل والسلطة التنفيذية عن القضاء، وتبعية التفتيش القضائى لمجلس القضاء الأعلى، وأن يتولى المجلس التنسيق القضائى ويكون زمام القاضى فى يد المجلس، وأن يكون اختيار معظم أعضاء مجلس القضاء الأعلى بالانتخاب، وواصل القضاة بقيادة تيار الاستقلال الضغط من أجل إصدار قانون جديد للسلطة القضائية، إلى أن نجح وزير العدل السابق مستخدما وسائل الضغط التى يملكها كسلطة تنفيذية والترغيب والترهيب فى إزاحة تيار الاستقلال عن مجلس إدارة النادى والاتيان بمجلس ترضى عنه الحكومة برئاسة المستشار أحمد الزند، فلم يقم المجلس الجديد بأى جهد لإصدار القانون وتم دفنه فى الأدراج.
ولكن ومع تشكيل مجلس القضاء الأعلى للجنة إعداد تعديلات قانون السلطة القضائية برئاسة المستشار أحمد مكى استيقظ مجلس إدارة النادى فجأة، خاصة بعد تسرب الأنباء حول التعديلات المقترحة من اللجنة، فهرول لصياغة مشروع خاص به ودعا لجمعية عمومية لنادى القضاة يوم 9 سبتمبر، طرح عليها مشروعه الذى أنجز على عجل فى اليوم السابق، وأعلن عن موافقة الجمعية العمومية على المشروع، ثم تبين أن موافقة الجمعية انصبت على طرح المشروع على الجمعيات العمومية للمحاكم لإبداء الرأى.
وفى 12 سبتمبر أعلن المستشار أحمد مكى المشروع الذى انتهت إليه اللجنة، وهو عبارة عن مسودة أولى تتضمن جدولا بمقترحات تعديل بعض المواد وعددا من الملاحظات، ودعا رئيس مجلس القضاء الأعلى لجلسات استماع للمشروعين «مشروع اللجنة ومشروع النادى»، ولكن الزند ومجلس إدارة النادى رفضا تلبية الدعوة!
ويبدو الخلاف بين المشروعين واضحا، فمشروع لجنة مجلس القضاء الأعلى يحظر ندب القضاة فى غير الأعمال القضائية، بينما أبقى مشروع الزند على ندب القضاة للعمل فى المناصب الإدارية لوزارة العدل، ويمنع مشروع اللجنة «الإعارة المسماة»، والتى تطلب فيها دولة قاضيا بالاسم للإعارة إليها، وتعتمد الإعارة على الأقدمية بين القضاة مع رفض الإعارة على درجة أقل من الدرجة التى عليها فى مصر، ويسحب اختصاص تعيين رئيس محكمة النقض من رئيس الجمهورية الذى كان حرا فى تعيينه من بين نواب رئيس محكمة النقض، لينص مشروع اللجنة على أن تختار الجمعية العمومية لمحكمة النقض رئيسها من بين أقدم 3 نواب نقض وهو ما يرفضه الزند ومجلس إدارة النادى! وتغيير آليات تعيين رؤساء المحاكم الابتدائية وإلغاء سلطة وزير العدل فى اختيارهم وإسناد هذه المهمة للجمعيات العمومية للمحاكم.
ولا تقف الاختلافات بين تيار الاستقلال والتيار الآخر الذى كان مسنودا من النظام السابق حول تعديلات القانون، ولكنها تمتد إلى قضية أخرى، وهى إصرار قضاة الاستقلال على ضرورة محاسبة القضاة المشاركين فى تزوير الانتخابات العامة وتطهير القضاء منهم، وهو مطلب لكل القوى الديمقراطية فى مصر وليس لتيار الاستقلال فقط.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
معارض
ازاي بس