عزيزى القارئ تنبه قبل أن تقرأ هذه السطور، إنها تحمل إليك دعوة جادة لمناقشة فكر جديد، قد يكون هو السائد، ونحن على أعتاب مصر جديدة وعالم جديد وهو أيضاً أهم ملامح حزبنا «الغد» ثم «غد الثورة».
فخلال القرن السابق عرفت البشرية طريقين: الأول هى الرأسمالية، والثانى الاشتراكية، وبين فشل الأخير، ومتاعب الأول، بدأت ملامح طريق ثالث تتشكل على أنقاض الطريق الاشتراكى المنهار.. وعلى أكوام المشاكل التى تفجرت عبر الطريق الرأسمالى، والتى دعت لضرورة المراجعة لخلق التوازن، ولتحقيق الأهداف السامية التى قام من أجلها الطريق الأول والثانى.
الذى يحمى الضعفاء والبؤساء - دولا وأفرادا من الانسحاق بين قواعد حرية السوق، والعولمة، ويخفف سياسياً من مخاطر هيمنة أيديولوجية واحدة، واندماج الإيديولوجيات الأصغر فى إطارها، مما يهدد بغياب أى تفكير بديل أو مخالف.
إن فكرة السوق الحرة وفقاً للمفهوم «التاتشرى أو الريجانى» - المحافظ – ولن أقول الليبرالى، هى فكرة فى حاجة إلى إعادة مداولة وتثمين.. فالسوق الحرة «المثالية» لا تحقق الأهداف الاقتصادية المرجوة منها، فى ظل اندماجات ضخمة، أدت إلى نشوء مؤسسات عملاقة ذات طبيعة احتكارية وضعت حدوداً على حرية المستهلك فى الاختيار.. مثلاً فى مجال صناعة السيارات فى عام 1978 كان يوجد 103 شركات فى 18 بلداً فى العالم، وانخفض هذا الرقم إلى 20 شركة فقط عام 1998.. كذلك شركات الطيران انخفض عددها خلال 20عاماً إلى النصف، نتيجة الاندماجات والاحتكارات الضخمة التى كان لها مردود سلبى على المستهلك وعلى اقتصاديات الدول الأكثر فقراً..
.. وعلى الصعيد الاقتصادى المحلى والعالمى، فشلت الاشتراكية تماماً فى كل ما وعدت الشعوب بتحقيقه، ولم تنجح الرأسمالية، – بمفهومها المحافظ المغلق – فى تنفيذ بعض ما وعدت به، فالسوق الحرة لم تقلل من حدة اللامساواة، ولم ينجح حتى فى أمريكا وأوروبا فى تخفيض نفقات المعيشة، بل أصبح الأثرياء أكثر ثراء والفقراء والطبقات الوسطى أكثر فقراً.
أما ما يتصل بالعولمة ذات الاتصال الوثيق بالمفهوم المحافظ للسوق الحرة فقد حققت كوارث اقتصادية عالمية بداية من تايلاند وصولاً لأسواق روسيا وأمريكا اللاتينية ويكفى أن نذكر أن أهم خسائر العالم منها هو تضاعف أعداد العاطلين !!.
أما عن الشق السياسى فى فكر الطريق الثالث، «أو الدرب المقبل» فهو يرتكز إلى منظومة الأفكار الليبرالية الحرة والتى لا تغفل البعد الاجتماعى بإيمان كامل بحق الجميع فى المشاركة، خاصة الأجيال الجديدة «الشباب».
إن ما يحدث الآن فى العالم من حولنا – والآن تحديداً – يؤكد أن الطريق الثالث هو الدرب المقبل بالفعل، فألمانيا شهدت تباشير هذا التيار عهد «شرودر» - وهو أحد رموز هذا التيار – وقبلها السويد وسلوفاكيا، وفرنسا، وقبل الجميع بريطانيا، ثانى دولة رأسمالية فى العالم، والتى تبنى رئيس وزرائها السابق «تونى بلير» أول دعوة معلنة للطريق الثالث والذى يعتبر نفسه رائداً من رواده، منذ أن اختير رئيساً لحزب العمل، وعدل برنامجه الاشتراكى الوسطى لأفكار الطريق الثالث.
إن صعود هذا التيار وتوجهه «اليمينى الوسطى» والمهموم بمن هم أكثر فقراً، بعيداً عن هوس هيمنة الدولة، كغاية بحد ذاتها، وهوس السوق الحرة بالكامل والعولمة والضرائب الباهظة كإجابة واحدة شافية لكل معضلة!! مع التمسك بالتوجه الليبرالى السياسى الحر.. يدفعنا كل هذا كمصريين، أن نفتح الحوار يميناً ويساراً ووسطاً.. أين نحن من هذا الطريق الثالث؟.. فى الأيام القادمة سنفتح الحوار عبر هذه الزاوية وبانتظار مساهمات، وآراء، وإسهامات الجميع.