غريب أن يدب الخلاف فى صفوف الثوار قبل أن تتم الثورة عامها الأول، والأغرب أن يتحول الخلاف إلى خصومة، ثم تنقلب الخصومة إلى انقسام، فيكون الانقسام فرصة ذهبية لفلول النظام السابق من أجل العودة إلى مقاعد القيادة.
الحاصل أن كل القوى السياسية، دينية كانت أو يسارية أو ليبرالية، تخلّت عن روح الإيثار التى سادتها أيام الثورة واستبدلتها بأخرى انتهازية تريد استغلال الفرصة، التى ربما لن تسنح مجدداً، والحصول على أكبر قدر من المكاسب يمكن البناء عليه خلال الفترة القادمة، بل واستخدمت فى سبيل ذلك نفس أساليب مبارك من تخوين وتشويه للخصوم الذين كانوا كتفا بكتف قبل أشهر قليلة فى التحرير.
لعن الله السياسة، إن كانت تقتضى التفتت والتلون والكذب، ولعن الله أناسا استبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير، قايضوا مستقبل بلادهم بمقعد فى البرلمان، ونسوا رفاقا قايضوا حياتهم بحرية غيرهم.
لم يكفِ المصريين انقسامهم إلى إسلاميين وليبراليين ويساريين، بل تفتت الإسلاميون أنفسهم إلى إخوان وسلفيين وجماعات، وانشطر الإخوان إلى إصلاحيين وأصوليين ومنشقين، فيما تاه السلفيون بين المدرسة الدعوية وأنصار السنة والجمعية الشرعية والتبليغ، وانشغلت الجماعات بالبحث عن الشرعية فى لجنة شئون الأحزاب.
على الجانب الآخر، انقسمت الأحزاب الليبرالية بين عدة تحالفات، فالوفد انسحب من التحالف والغد بقى، والمصريون الأحرار انضم للكتلة المصرية، والجبهة الديمقراطية يعزف منفرداً، والإصلاح والتنمية بلا هدف واضح، وائتلافات الثورة – وغالبيتها ليبرالية – منهكة فى الخلافات الداخلية، وأوصالها متقطعة إلى كيانات قزمية لا تخيف أحداً، ولا تضعها السلطة ولا القوى السياسية الأخرى فى الاعتبار.
وهناك على أقصى اليسار، يبدو أنصار الفكر الاشتراكى والماركسى ضعافاً، غير قادرين على مجابهة الإسلاميين والليبراليين، ولا يسمح لهم كبرياؤهم بالتنسيق مع القوى الأخرى التى تعاملها بكثير من التعالى، وعليه كان القرار بالانزواء لتنظيم الصفوف والعودة إلى الساحة أكثر قوة، لا سعيا وراء المصلحة الوطنية ولاقتناعهم بأن منهجهم هو الأصلح، لكن لإثبات الذات ورد الصاع صاعين لكل من استهان بهم.
هذا الواقع لا يمكن أن تسير فيه مصر إلى غدٍ أفضل، بل ربما يفرز نظاماً مشوهاً ووضع جنين غير مكتمل النمو، فالديمقراطية ليست مبارزة يسعى كل من فيها لإظهار أنه الأقوى، بل تنافس بين أشقاء على من يخدم بلاده أكثر.
وللأسف، يقابل هذا التفتت فى القوى الثورية والوطنية، ترابط صلب بات يجمع فلول النظام السابق، فالتجارب القريبة والبعيدة تؤكد أن المصريين يلتفون حول بعضهم أكثر فى أوقات الأزمة، ومنذ سقوط نظام مبارك والخطوط الساخنة مفتوحة طوال الوقت بين بقاياه ومخلفاته، انتشروا فى الأحزاب المختلفة وعادوا إلى السياسة من الأبواب الخلفية، ويجهزون لخطة يسيطرون بها على ثلث مقاعد البرلمان المقبل، بما يعنى تعطيل القوانين التى تعبر عن الثورة، بل وتقديم مرشح فى انتخابات الرئاسة القادمة.
لستُ من مدمنى تقديم النصائح للغير، لكننى أقول للإسلاميين ما قاله الله فى قرآنه: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، وأقول لليساريين ما قاله كارل ماركس: "إذا أردت أن تكون تافهاً، فما عليك إلا أن تدير ظهرك لهموم الآخرين"، وأقول لليبراليين ما قاله جون لوك: "ليس من طريقة تدافع بها عن نفسك من هذا العالم سوى أن تتعمق فى معرفته".
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
هانى
الاسلام شريعة وعقيدة لا ينفصل عن السياسة ولا تضر به؛ لأنه صمام الأمن والأمان لها
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
تحديد موعد انتخابات الرئاسة اهم شئ الان لاستقرار الوضع فى مصر