خرج علينا ليعلن وقف برنامجه الذى استمتعنا كثيراً بمشاهدته نظراً لصدقه وحياديته وهدوئه، وهى صفات قلما توافرت فى وقتنا الحالى فى إحدى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، رغم أنها من المفترض أن تتصدر الوجود الإعلامى.
الصحفى والإعلامى الماهر والمحترف والصادق "يسرى فوده"، صاحب المبدأ، بتاريخه المشهود له بالنزاهة والجد والاجتهاد والاحتراف فى الصحافة والإعلام والكتابة، اختار أن يقول "خيرا وصدقا أو ليصمت"، اختار فى وقت حاسم تمر به مصر أن يقول "لا".. لا للزيف الإعلامى، لا للنفاق، لا للخضوع لأى إملاءات، لا لتحكم أصحاب القنوات أو أصحاب السلطة.
جاء تعليق الأستاذ يسرى فوده على أحداث ماسبيرو، ليس فقط انطلاقا من قناعته الشخصية أو رغبته فى انتقاد المجلس العسكرى أو الدفاع عن المتظاهرين، أو العكس، ولكن انطلاقا من حبه للوطن، ورغبته الصادقة فى الكشف عن الحقيقة، والبحث عن إجابة محددة وواضحة للسؤال الذى يطرح نفسه: من المسئول عن أحداث ماسبيرو التى تحولت من مجرد مظاهرة سلمية إلى قتل للمتظاهرين والجنود؟، ولمصلحة مَن يحدث ذلك؟.
أشار الأستاذ يسرى فوده فى برنامجه "آخر كلام" خلال حلقة 12 أكتوبر 2011، إلى ما يلى: إن المتابع لتفاصيل الأحد الدامى تستوقفه أسئلة هامة يجب الإجابة عنها، ومنها: هل المجلس الأعلى للقوات المسلحة جهة محايدة أم جهة متهمة أم جهة موجِهة للاتهام؟، وأضاف قائلاً: "بالرغم من أننى لم أكن أبا لأحد هؤلاء الذين تلقوا رصاصة فى الصدر أو فى الظهر عن عمد أو عن غير عمد، ولا أخا لأحد هؤلاء الذين تفسخت أوصالهم وأحشاؤهم عن عمد أو عن غير عمد، كما أننى لست خصماً للمجلس العسكري، ولا يحق لى قبول أو رفض توضيحات المجلس، وذكره بعض التفاصيل على الأحداث خلال مؤتمر صحفى، إلا أنه لا يزال بيننا من يرى أن هناك تساؤلاً منطقياً لا يزال يحتاج إلى إجابة، حتى بعد سماع تصريحات أعضاء المجلس العسكري، وهو: من إذن أطلق الرصاص؟، وكيف إذن تحول بشر إلى أشلاء؟ ومن بيننا كذلك من لا يزال يعبر عن خشية واقعية، حين يكون الخصم خصماً وحكماً ومراقباً فى الوقت نفسه"، وقد أكد الأستاذ يسرى فوده على أن ما يدفعه إلى مثل هذا القول هو حب "الوطن وأهله وجيشه"، وهو ما سيدفعه دائما إلى إخراج رأسه دائما من تحت الرمال وطرح السؤال الصعب.
ومن يقرأ ويستشعر هذه السطور، يعلم أن هذه هى حرية الرأى الصادقة المحترمة المحايدة التى لا تحمل صبغة اتهام لأحد أو دفاع عن أحد، ولا تحمل سوى البحث عن حقيقة نحتاج لها جميعاً، وتحتاج لها مصر فى هذه الظروف، إذن فمن حق الأستاذ يسرى فوده أو أى مواطن مصرى آخر أن يفكر ويسأل ويناقش، بل إن الإعلامى والكاتب والصحفى تقع عليه المسئولية بشكل أكبر، ويتحمل عبئا أكبر، وأمانة لابد أن يحفظها، ورسالة لابد أن يبعث بها للمواطنين وللحكام، وليس لصاحب سلطة أو مال أن يُملى عليه أية آراء أو اتجاهات أو إملاءات تخالف ضميره أو عقله أو مبدأه، وقد رفض الأستاذ يسرى فوده أن يخالف عقله وضميره ومبدأه، كما رفض أن يكون أداة يحركها غيره مهما كانت المبررات.
فلا سلطان على حرية الصحافة والإعلام، فالحرية كالهواء تستنشقها الصحافة والإعلام، ولا حياة لهما بدونها، وهى كالروح لا تُسلم إلا لخالقها، فلا رقيباً ولا وزيراً ولا جلاداً ولا سلطاناً ولا قاضياً على هذه الحرية،، فالصحافة بأنواعها لابد أن تكون حرة آبية مستقلة مثلها مثل الدولة صاحبة السيادة التى تتمتع بكل ما لها من سيادة دون تدخل خارجى، لأن هذا التدخل يشوبها ويجعلها تابعة، خانعة، خاضعة، وساقطة فى نظر أبنائها، فالصحفى الحر والإعلامى الحر والكاتب الحر لابد أن يتحرر من كافة القيود المفروضة عليه، فلا يحكمه سوى عقله وضميره ومبدأه وحبه لوطنه، ولا شىء بعد ذلك يمكن أن يتحكم فيه، لأنه يحمل رسالة نور إلى الناس، رسالة مضيئة وهادية للحقيقة وليس للضلال، ولم تكن يوماً تجارةً أو وسيلةً للحديث باسم الحكام، أو مصدر رزق كى يتحكم فيها صاحب العمل، بل موهبة وحب وعشق للكتابة والحرية والحقيقة.
فمن يستطع أن يتحمل الأمانة، أصبح من أبناءها، ومن حفظها حفظته، ومن صانها صانته، وأيضاً من أهانها رفضته ونزعت عنه شرف حمل لواءها، ومن يعجز فى أى لحظة أن يبعث بالرسالة صادقة إلى الناس، فالأولى له أن يخلع عنه عباءتها -ولو مؤقتاً- حتى يتخلص من القيود التى تحيطه، وهذا ما فعله الصحفى والإعلامى يسرى فوده، الذى اختار أن يوقف برنامجه، لأنه لم يقدم برنامجاً كى ينافق أحد أو يُظهر نفسه على أنه "لا يرى، لا يسمع، لا يتكلم"، أو لكى يتحكم فيه أحد أو يملى عليه ما يقوله، بل أراد أن يكشف الحقيقة للآخرين، وله الحق أن يُعبر عن رأيه كما يشاء، وعلينا أن نحترم هذا الرأى.
فقد قرر ونحن معه، ونؤيده فى قراره، فهو صحفى وإعلامى محترم وصاحب تاريخ مشرف، كلماته أحرف من نور، آراؤه صائبة لا تهدف سوى إقرار الحق واحترام الآخر والحفاظ على الوطن، ولم تخرج بدافع شخصى بل بدافع الخوف على الوطن ونسيجه وأبناءه ومراعاةً لظروفه، ولكونه جريح لا يحتاج من يجرحه أكثر.
شهرت وهبة تكتب: لا سلطان على حرية الصحافة والإعلام
الأربعاء، 26 أكتوبر 2011 02:16 م
يسرى فودة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد بسيونى
موضوع ذو قيمة ومقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو مخ ضلم
ممكن ببساطة نعمل اعلام صادق وحر
عدد الردود 0
بواسطة:
ولاء المصري
مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
شرين زهدى
موهبة مصرية
عدد الردود 0
بواسطة:
عبير محمد
مقال راااائع