المزرعة خيرها وافر والحمد لله، والطامعون فيها كثيرون. فكان من الطبيعى والعادى تعيين حارس متفرغ لمهمة حراستها. حارس يقظ قوي، مفتول العضلات وبكامل لياقته الذهنية والبدنية. وهذا ما تم فعلا فى وقت من الأوقات، حتى أن شباب المزرعة أعجبوا أشد الإعجاب بقوة الحارس وتمنوا أن يصبحوا مثله، فطلبوا منه أن يتدربوا معه .. وحرصوا على أن يلتحقوا به فى تدريباته اليومية التى ينتظم فى القيام بها .. وقاموا بالتمارين نفسها التى يعملها .. تمرينات صعبة لا يعرفها بعضهم، ولا يقدر عليها الكثيرون .. فقد كان يهتم بتقوية كل عضلات جسمه: عضلات الذراعين والصدر والبطن والفخذين والساقين، وكذلك عضلات الظهر.
مرت الأيام والتدريبات على قدم وساق .. والكل سعيد بما تم تحقيقه .. إلى أن حدث شيئ لا يعرف بالضبط تفاصيله .. جعل الحارس يقوم بتوريد المياة المعدنية إلى بعض قاطنى المزرعة الميسورين. وقد أغرته الأرباح المحققة من هذه العملية إلى مشاركته لبعض زراع شجر الزيتون فى إنشاء معصرة بدأت صغيرة لإنتاج زيت الزيتون، ثم توسعت فأصبحت مصنع كامل لتجهيز وتعليب الزيتون الأخضر والأسود.
انشغل الحارس بهذه الأمور وبدأ يتأخر عن مواعيد بدء التمرين .. حتى جاء يوم تغيب فيه تماما عن الدورة التدريبية .. فلما قلق الشباب لغيابه .. قاموا بالاستفسار عن السبب .. وعلموا أنه كان مشغولا فى إنهاء صفقة تجارية لتوريد بعض الاحتياجات المعيشية للمزرعة .. تكرر غياب الحارس وترهلت عضلاته نتيجة عدم مواظبته على التمرين بشكل جدى .. فإحتج يوما أحد الشباب المتحمسين صائحا فى وجهه:"التمرينات يا كابتن". وقال آخر أكثر جرأة عبارة عابرة لكنها تنطوى على حكمة عظيمة:"اعمل الصح يا كابتن .. ذلك أهم كثيرا من عمل كل شئ ولو بشكل جيد .. فلا يصح إلا الصحيح".
التف حوله بعض أهل المزرعة وقالوا له بحثا عن مصالحهم الخاصة، بأن ما يفعله هو عين العقل. وأن عليه إلا يعر أى انتباه لما يقوله الشباب الذى وصفوه بالطائش، وأن كلامهم لا ينبغى أن يعكر صفوه.
توسع الحارس فى عملياته التجارية والخدمية .. فقام بتخزين صفائح البنزين وبيعها لحسابه لسائقى السيارات من أهل المزرعة .. وفتح أكشاك لبيع المأكولات والأجهزة والأدوات المنزلية .. كما عمل كمقاول أنفار لعمليات تمهيد الطرق وإنشاء الكبارى .. وقام بأشياء كثيرة أخرى حتى ازدحم يومه بطريقة جعلته لا يجد أى وقت للذهاب إلى صالات رفع الأثقال والجمباز، ولمضمار ألعاب القوى والعدو، أو لممارسة أيا من الألعاب الرياضية المختلفة. فنبهه شاب ناصحا: "صاحب بالين كذاب" .. فعقب زميل له:"ما بالك بصاحب ثلاثة وأربعة!".
وعلى الرغم من غيابه شبه الدائم عن التمرينات وقيامه ببعض تدريبات قليلة غير كافية، فإنه وجد من يطبل ويزمر ويغنى له، وهو ما راق له كثيرا وجعله يظن أنه يقوم بواجباته على أكمل وجه.
وبدأ شباب المزرعة يتذمرون ويعلنون أمام الجميع استياءهم الشديد لما يحدث بالمزرعة ومن تصرفات الحارس الغريبة والمريبة، ويقولون ذلك فى وجهه كلما صادف أن قابلوه. وقد عبرت شابة يوما عن يأسها بصوت منكسر قائله له:"خليك فى البنزين والزيت والزيتون.. لعل ذلك فيه النفع لك ولنا!". كما أطلق بعضهم النكات عليه، فكان من ضمن ما قيل:"إن الحارس مشغول بتمرينات الزيت والبنزين، وأنه يتدرب على رفع المياه دون أن تخر عليه بدلا من رفع الأثقال!"
فطالبه بعض المقربين منه بضرورة مراقبة كل ما يقال عنه ومعاقبة منتقديه مهما كانت وجاهة حجتهم وقطع ألسنتهم لإحكام قبضته على أولاد المزرعة وكأن ذلك يوفر الحماية للمزرعة من الطامعين فى خيراتها!
ولم يكتف الحارس بكل ذلك بل قام أيضا بالتدخل فى أمور ليس لها أى علاقة من قريب أو من بعيد بحماية المزرعة وأمنها .. وبالتعود أحس أن ذلك حق له وواجب عليه. وظن أن من واجبه إصدار التعليمات لما يجب وما لا يجب عمله فى شتى مناحى حياة شباب المزرعة وعمالها وفلاحيها، وبدأ يخلط بطريقة غريبة بين مهمة الحراسة ومهمة تنظيم أمور المزرعة. وأصبحت كلمته آمره ناهية فى كل كبيرة وصغيرة، وصار كالإخطبوط له يد فى كل ما يجرى بداخل سور المزرعة.
والمشكلة أن المزرعة كما تعلمون خيرها وافر والحمد لله، والطامعون فيها كثيرون. ومن الطبيعى والعادى تعيين حارس متفرغ لمهمة حراستها. حارس يقظ قوي، مفتول العضلات وبكامل لياقته الذهنية والبدنية.
عدد الردود 0
بواسطة:
hegazy
المجلس العسكري
عدد الردود 0
بواسطة:
السيد نجيب
تحليل دقيق للواقع
عدد الردود 0
بواسطة:
قارئ
إيه ده؟؟؟!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
أسامه مطاوع
كثرة اللغو هو ما شغل الحارس
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد حنفي
المعنى هو الاهم
عدد الردود 0
بواسطة:
نزار النادي
كلنا اصحاب هذه المزرعه