توجهت أنظار العالم كله مساء الأربعاء 20 من أكتوبر 2011 إلى سرت الليبية معقل الطاغية وحصن نظامه المنيع، عقب الإعلان عن مقتل القذافى، والذى وصفه المراقبون والمحللون السياسيون باليوم المجيد فى تاريخ الشعب الليبى، ولقد تناقلت وكالات الأنباء المحلية والعالمية خبر سقوط القذافى فى صورته المريعة والمفعمة بالخزى والعار والشنار والقضاء على نظامه الفاسد بأيدى الثوار الأبطال أهل العزة والفخار، فلا شك أن هذا السقوط الأبدى للطاغية من على كرسى الحكم ومن الحياة نفسها قد أزاح عن الشعب الليبى خاصة والعالم قاطبة غمة كبيرة وشبحا مخيفا كانا يؤرقهما نظرا لحالة الاغتراب الشخصى التى كان يعيشها هذا الفاسد ففصلته عن المجتمعين العربى والدولى وجعلته متغير الأطوار متقلب المزاج بين الرضى والسخط فهو ليل لا تنجلى ظلمه، ولغز لا تحل مشكلاته وقد عبر عن هذه المشاعر الغريبة والمتقلبة باتهامه فى حادث لوكربى ومن ثم دفعه التعويضات لأسر ضحاياه وكذلك افتعاله لقضية الممرضات البلغاريات لحصوله على تعويضات مماثلة للتعويضات التى دفعها لضحايا لوكربى والحصول عليها لنفسه باسم أسر أبناء الليبيين المضارين، بالإضافة إلى تدخلاته السافرة فى شئون دول الجوار لخلق المشاكل والقلاقل بها ليستلفت الأنظار إليه، حيث كانت تطلعاته لزعامة الأمة العربية والإفريقية آفة من آفاته ونمط من أنماط سلوكه المشين ولذلك سمى نفسه زعيم العرب وملك ملوك أفريقيا، لإرضاء غروره وغطرسته وصلفه طوال فترة حكمه التى امتدت قرابة اثنين وأربعين عاما أذاق شعبه خلالها الذل والهوان وقمع حريته وكبل إرادته وأباد وقتل معارضته وضيق على الصامتين المستعبدين منهم فى الرزق، واستولى على أموال الدولة التى جمع منها له ولأسرته حسب وثيقة ويكيلكس مبلغ 131 مليار دولار وهو ما يعادل ستة أضعاف ميزانية ليبيا للعام الحالى والتى تقدر بمبلغ 22 مليار دولار وكأنه ظن أنه سيعيش حياة أبدية وسرمدية لن يجرى عليها الخالق سبحانه وتعالى سنن الكون التى تجعل الإنسان دائما بين قوسى الميلاد والموت، وأن الفناء هو نهاية كل إنسان يعيش على ظهر هذه الأرض وقد بدت هذه الصورة الوحشية والمخيفة جلية فى تصرفات القذافى إبّان حكمه وازدادت قتامتها حلوكا منذ نشوب الثورة فى17 من فبراير الفائت، حيث استخدم الطاغية الآلة العسكرية ضد الثور وقتل الآلاف من الأحرار، وفتك بالعديد من الأخيار ودفنهم فى مقابر جماعية لكثرة شهدائهم الأبرار، ولقد استمرت المعركة بين كتائب القذافى والثوار حامية الوطيس على نحو ثمانية أشهر رغم مساعدة قوات حلف شمال الأطلنطى المعروفة بالنيتو ـ للثوار عن طريق ضرب حصون وقلاع كتائب القذافى وأرتاله الممتدة فى أنحاء البلاد بالطائرات الحربية غير أن هذه الضربات الجوية بالرغم من أداء مهمتها على أكمل وجه فإنها ألحقت ضررا كبيرا بالمنشآت والبيوت وقتلت العديد من المواطنين الأبرياء رغم تقنيتها العالية، ومن المحقق أن سياسة قوات التحالف تمضى فى هذا السياق وفق إستراتيجية محددة لهذا الغرض ولهذه القوات السبق فى دولتى أفغانستان والعراق، من أجل ذلك سارع أوباما بعد مقتل القذافى فى تهنئة الشعب الليبى على حريته وإثباته للدور الأمريكى مع قوات حلف النيتو فى القضاء على الطاغية وأعوانه وهذا مؤشر يعكس سعى واشنطن الحثيث وراء المنافع التى ستعود عليها من مشاركة الشركات الأمريكية فى إعادة إعمار ليبيا وحفظ نصيبها الأكبر من البترول الليبى.
جملة القول فإن القذافى المنهزم قد عجب بنفسه فتورط فى الحمق، واغتر بها فأظهر للناس كلهم نقائصه كلها واعتنى بجمع ثروته من حقوق الشعب المكدود وحجم عن إنفاقها على شعبه فباء بغضب أصحاب الفاقة والإملاق، وثاروا عليه حين بلغ السيل الزبا وتجاوز كل شىء قدره، وهو لم يعتبر بما آل إليه مصير سلفيه فى تونس ومصر وأعلنها حربا دروسا على الثوار فخرب البلاد وأباد العباد ويتمت الأطفال وترك النساء بين الثكل والتيتم، وفى النهاية طمس تاريخه بدماء شعبه ولقى حتفه غير مأسوف عليه فهل سيعتبر بهذا المصير المشئوم الحكام العرب الباقون؟.
ثوار ليبيا
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
teto
على رأى حسن الهلالى
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد علي حسن
عصر الطغاة المنصرم