مازالت كلمات الفنان محمد حمام، "يابيوت السويس.. يابيوت مدينتى ..استشهد تحتك وتعيشى أنتى"، محتفظة برونقها لنقدمها لـ"السويس"، فى عيدها الوطنى، فالكلمات نفسها كانت، تتردد فى أرجاء ميدان التحرير، فى الفترة من 25 يناير، وحتى 11 فبراير، فعلى الرغم من تنوع هتافات ومنصات ميدان التحرير، فى أثناء الثورة، إلا أن رائعة الفنان محمد حمام ،كانت ذات مذاق خاص، سواء كانت تلك الكلمات بصوت حمام أو بصوت الفنان محمد منير.
على مدار14 ليلة فى ميدان التحرير، تعرف كثير من شباب الثورة على صوت "حمام "، وعلى الشيخ حافظ سلامة، وعلى ميدان الأربعين، أحد أهم ميادين ثورة 25 يناير، ولكن مازال هناك العديد من الصفحات فى كتاب المدينة الباسلة، تستحق أن نتوقف عندها قليلا.. والكابتن "غزالى" واحد من هؤلاء، لمن لا يعرف محمد أحمد غزالى، بطل من أبطال المقاومة الشعبية، وهناك تعريف آخر له، هو مؤسس فرقة أولاد الأرض، التى كانت تشدوا على السمسية بأغانى الصمود، لمواجهة العدو الصهيونى، أثناء حرب 73 كانت كلمات أولاد الأرض "أنا صاحى يا مصر أنا صاحى أنا صاحى وفى ايديا سلاحى"، بمثابة شرارة المقاومة التى انطلقت من شوارع السويس، لتطوف بعد ذلك مع الكابتن غزالى ورفاقه شوارع مدن القنال، وتتناقلها كتائب الفدائيين، على الجبهة أثناء محاولة إسرائيل، اختراق واحتلال مدينة السويس آنذاك، ولولا صمود أبنائها وتقديمها العشرات من الفدائيين والشهداء لسقطت السويس، وتحول نصر السادس من أكتوبر إلى نكسة أخرى، ومع الفارق الزمنى، لعب شهداء السويس أيضا نفس الدور مرة أخرى فى ثورة يناير، على الرغم من محاولات البعض، أن يصف هؤلاء الشهداء بالبلطجية، وهو الوصف والاتهام الذى يرفضه الكابتن "غزالى" قائلا: أحب أن أقول أن ثورات العالم يشارك فيها كل فئات المجتمع المثقف والثائر والبلطجى والخارج عن القانون، وجميعهم هدفهم مصلحة هذا الوطن، ومن يتهم الثوار أنهم بلطجية، أقول لهم ماقاله جيفارا "الثورات يقوم بها الحالمين ويقودها المجانين ويجنى ثمارها الانتهازيين".
يحمل بطل المقاومة الشعبية، الكابتن غزالى على كتفيه، 85 عاما، ولكن مازالت ذاكرته تحتفظ بالعديد من تفاصيل، عن الرابع والعشرين من أكتوبر العيد القومى للمدينة الباسلة، ليس باعتباره من شهود العيان على هذا اليوم، ولكن أيضا كواحد، من الذين شاركوا فى صناعته، ولكن قبل أن تصل السويس لهذا اليوم، سبقها العديد من السنوات التى اكتشف فيها السوايسة، أن الفن من أهم أسلحة المقاومة، خاصة عقب نكسة 67.
قال الكابتن غزالى، لابد أن نعرف أولا أن الشعب المصرى عظيم، وللأسف حتى الآن لم يتم كتابة بطولات هذا الشعب الصامد الذى واجه النكسة، بكل صمود وكبرياء حتى يعبر هذه المحنة، والسويس مدينة مصرية للنخاع، ويعيش بها كل الأطياف من جميع قرى ونجوع مصر، وأعتقد أن هذه التركيبة وموقفها التاريخى على مر العصور منحت هذه المحافظة ميزة التحدى.
وأضاف الكابتن غزالى، أما عن مرحلة التهجير عقب النكسة كانت شىء ضرورى، ولكن اضطرت الحكومة فى ذلك الوقت فى ظل العدوان الصارخ والوحشى من القوات الإسرائيلية، التى كانت وصلت للحدود والضرب المباشر فى البيوت والأهالى، واضطرت الحكومة أن تلغى الدراسة.
وتابع الكابتن غزالى، قائلا أتذكر أننى كنت أتجول فى شوارع المدينة عقب النكسة مباشرت، ونظرت ووجدت لافتة على أحد محلات الحلاقة مدون عليها يوم 6 يونيه افتتاح الفرع الثانى فى تل أبيب، وهو ما جعل النكسة قاسية بشكل كبير على شعب السويس العنيد.
ومن هذه النقطة تحديدا كما قال الكابتن غزالى، تولدت فكرة المقاومة، فالنكسة كانت كفيلة أن تنهى أمما غير مصر، ولكن شباب السويس، كان يريد الخروج من هذه المحنة، لذلك اعتمد على روح المغامرة، فكان يذهب الشباب إلى سيناء عن طريق الفلايك أو عن طريق السباحة، ويقومون بإسعاف ومساعدة المجندين على الجبهة.
ويضيف بطل المقاومة الشعبية، بدأنا نلتفت هنا الى أهمية، اللعب على العامل النفسى فى ذلك الوقت، فالجنود الإسرائيليون على بعد بعض خطوات وقريبون جدا منا، فكنا نذهب ونقوم بالتصفيق والحركة على الحدود حتى يشعر العدو أن هناك أعدادا كبيرة على الحدود، وفى ذلك الوقت توافد على السويس المئات من قرى مصر، وكان دورنا كيف نستطيع أن لا نجعل هؤلاء القادمين لا يشعرون بالملل، فكرنا أنا وزملائى فى إنشاء فرقة، وأطلقنا عليها "بطنيه ميرى"، وتم تغيير اسمها بعد ذلك إلى أولاد الأرض، لرفع الروح المعنوية للجنود، وبدأنا نستلهم الأغانى المحفوظة، ونغير فى كلماتها ونرددها للجنود وحتى تلك اللحظة،لم يكن لدى أى علاقة بالفن والشعر وكنت آنذاك مدربا رياضيا، حيث شاركت ببطولة العالم فى الخمسينيات حتى قمت بتأسيس الفرقة.
وكانت أولاد الأرض فى تلك الفترة بمثابة نشرة أخبار، وإذاعة أغانى للمجندين ومرثيات للفدائئن كنا نردد "اتعلمنا منك كيف الموت ينحب.. واتعلمنا منك وقت الشدة نهب.. واتعلمنا ندوس الصعب.. نمد الخطوة ندق الكعب.. واتعدونا شهيدك يبقى عريس.. واتعدونا اليوم الكاكى ونوم يا أغلى مدينة وناس ينباس ترابك ينباس يا سويس"، هذه الأناشيد والأحاديث كانت مهمة جدا للجنود، وحتى كنا نزف بها الشهداء لقبورهم، وكان ذلك له أثر كبير للأبطال الذين كنت أقودهم بالغناء والأشعار، نحن كنا بالفعل جيشا ثانيا للجيش بالجبهة، كنا نحرس المنشآت طول اليوم، نخدم القوات التى فى المقدمة، ونغنى ونرقص ونلعب الكرة، وأقمنا مسرحا وفرقا فنية، وذلك ساهم بشكل كبير جدا فى رفع الروح المعنوية للجنود وكسر حالة الخمول والملل، وكنت واحدا من الناس الذين تنبهت بضرورة هذا الفن كسلاح.
ويرى الكابتن غزالى، أن هناك شيئا مشتركا يجمع مابين ثورة يناير، وانتصار 37 وهزيمة 67، وهذا الشىء هو أرواح الشهداء، التى اختصها الكابتن غزالى بتحية خاصة، قال فيها: "مليون سلام بطول الأرض وبعرض السما للى بدمائهم نقشوا سطور الملحمة، مسك.. مسك يا ريح الشهيد طالع من روبا الجنة فواح فوق جبين مصر العظيمة الملهمة، هدير حمام الحما تراتيل، أساميكم يا نن عين الوطن قلبوا يناديكم، صلى الحمام وانجلى الله يجازيكم.. الله يجازيكم".
أما ثورة يناير وميدان التحرير، فكان لها نصيب خاص من شعر الكابتن غزالى منها: "25 يناير يا مسطر بالدماء.. يا نبض قلب شعبى وصدقوا على الفداء.. طلعه.. يا مصر طلعه على مين يعاديكى.. ولعه ديسه على من تكبر.. الله وأكبر الله على كل طاغى.. دايما يا مصر أكبر.. وأقوى من كل طاغى الله أكبر".
"الغزالى": "السوايسة" أول مكتشفى أن الفن من أهم أسلحة المقاومة
الإثنين، 24 أكتوبر 2011 02:40 م