نبيل عمر

إشعال الحرائق الوطنية!

السبت، 22 أكتوبر 2011 03:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإعلام المصرى حالة خاصة جدا، قليل من المهنية وكثير من الفهلوة، قليل من المعلومات وكثير من البهارات، قليل من الرأى العلمى وكثير من التحريض العاطفى.. وكما قال الشهير جوبلز زعيم البروباجندا فى العصر النازى: أعطنى إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعى.. وبالطبع المصيبة أكبر والكارثة أفدح إذا كان ثلث الشعب لا يقرأ ولا يكتب وثلثه الثانى تعلم بالحفظ والنقل ويسيطر على عقله شيوخ الزوايا ودعاة الفضائيات ورجال الدين.

فى مثل هذه الأجواء تسهل صناعة الفتن الوطنية، فتنة بين الجيش والشعب، فتنة بين المسلمين والمسيحيين، فتنة بين القضاة والمحامين، فتنة بين الشرطة والجمهور، وفتنة بين الناس أنفسهم فى أى مشكلة تأخذ شكلا عاما!!

لكن أخطر الفتن على الإطلاق هى الفتن الدينية، فالدين طاقة ذرية، يمكن أن تستغل ويشكل منها المتربصون كتلة حرجة تنشطر كالقنبلة محرقة الأخضر واليابس، وأكثر الحروب دموية فى تاريخ البشر هى الحروب الدينية، فكل طرف يقاتل وهو يتصور أن السماء تناصره وتشد من أزره فإذا كسب فقد حقق المشيئة الإلهية، وإذا قتل فهو من الشهداء الأبرار له الجنة والنعيم المقيم.. والمدهش فى التاريخ الإنسانى أن أغلب الحروب الدينية كانت سبيلا للسيطرة والاستعباد وأقلها كان نبيلا ورائعا ودفاعا عن حقوق الإنسان فى حياة كريمة حرة، فالأديان لا سبيل إلى العمل بها إلا من خلال البشر المكلفين برسالات السماء، لكن البشر بمرور الزمن تتنازعهم الأهواء والمصالح والأغراض والمكاسب والسطوة والسلطة، فينحرفون بالرسالة فى تفسيرات قابلة للتصديق من البسطاء، فيعبرون عليهم إلى أهدافهم الخاصة.

والدين أيضا طاقة نووية سلمية يمكن أن تنير حياة الناس وتبدد ظلمة نفوسهم وتفتح أمامهم أبواب الرقى الحضارى والقيمى، بشرط أن يفهموا جوهر الرسالات السماوية، وأنها جسر الإنسان إلى الحب الإلهى، الذى فى داخله حب الإنسان للإنسان، فلا ضرر ولا ضرار، ودفع الضرر مقدم على جلب المنفعة.

ويبدو أن مصر منكوبة بنوعية من البشر يمكن أن نسميهم «مشعلى الحرائق الدينية»، ولا يكاد يهدأ حريق ونقترب من إخماده حتى يسرعوا بإشعال بديل أكثر قوة وألما، وللأسف نحن نعيش هذه الحالة من نهاية السبعينيات من القرن الماضى.. وآخر محاولة لإشعال حريق هائل حدثت قبل أيام، بتصريح شيخ يحمل لقبا عظيما «الداعية الإسلامى»، إذ طالب فيه بـ«تفتيش المساجد والكنائس والأديرة»، مبررا طلبه الشاذ بأنه أحد أهم الوسائل لوأد الفتنة الطائفية.
يا الله.. تفتيش المساجد والكنائس والأديرة وهى «دروع» المصريين لصد جحافل الفتنة الطائفية عن وطنهم.. هل هناك كلام «أشر» من هذه العبارات الحارقة المدمرة؟!

عبارة تسكن فى حروفها كل وساوس الفتنة والتحريض، وتتعرى تماما من كل خصائص المواطنة والقانون ودولة الدستور.. فهذا تفتيش بالشبهات، تتحول فيه دور العبادة إلى «أماكن» مشبوهة لابد من تفتيشها حتى تنال صك البراءة من أفعال مخالفة للقانون.

تخيلوا أن القانون لا يسمح بتفتيش بيت تاجر مخدرات أو وكر لص محترف أو مخبأ مسجل خطر أو بيت دعارة أو مخزن مسروقات إلا بإجراءات قانونية شديدة الصرامة، مدعمة بوثائق وقرائن تبرر الحصول على إذن قضائى.. لأن القانون يحمى بالضرورة الملكية الخاصة ويصونها من تعسف السلطة، بل إن الإسلام يضمن هذه «الحماية» ضمانا مطلقا، وكلنا نعرف حكاية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذى استشعر أن جريمة إخلاقية ترتكب خلف سور بيت، فقفز منه، وحين قال للرجل: أتزنى يا عدو الله؟ فرد عليه الرجل بأن أمير المؤمنين أخطأ فى ثلاث، هى التجسس، ودخول البيت دون أذن، والسب، ولم يستطع عمر بن الخطاب أن يعاقبه، وراح من فوره إلى على بن أبى طالب يروى له ما حدث، فقال له على: أمسك لسانك.. فمن أين جاء الشيخ «الداعية الإسلامى ذائع الصيت» بحجته فى تفتيش المساجد والكنائس والأديرة؟! ومن أى مصادر استقاها؟!

المدهش أن بعض الصحف هللت لدعوة الشيخ الداعية، وحاولت تبريرها دون أن تنتبه إلى خطورة ما تفعل، فهل يمكن أن تسقط مصر نظاما لم يحترم القانون وحقوق الإنسان لنؤسس نظاما على شاكلته بأساليب مختلفة؟!

هل يعقل أن نفتش دور العبادة بالشبهات والكلام المرسل؟!
إنهم يحاولون إشعال المزيد من الحرائق!!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة