محمد حماد

يحيى قلاش.. شهادة لله وللوطن وللصحفيين

الجمعة، 21 أكتوبر 2011 08:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد تكون شهادتى مجروحة فى يحيى قلاش، صديق العمر الجميل، ولكنى أقدم على وضع شهادتى لله وللتاريخ أمام زملائى الصحفيين، وربى يشهد أنها قناعتى الراسخة، لا دخل فيها لعلاقتى به، فهو عندى نموذج النقابى الذى يتمتع بنزاهة القصد، ويجد نفسه أكثر ما يجدها فى شرف خدمة المهنة التى أحبها صغيراً، والتحق بها محباً، وقد ظل فى خدمة الصحفيين منذ بواكير التحاقه بالنقابة، كنت تجده إما فى الجريدة أو فى النقابة، وكنتُ قبل دخولى عضواً بنقابة الصحفيين محامياً بمكتب الأستاذ عبد العزيز محمد المستشار القانونى للنقابة فى ذلك الوقت، ولم أمر على النقابة يوماً إلا وجدت يحيى قلاش فيها، تشغله هموم المهنة وتثقل كاهله هموم النقابة..

وكنا ولا نزال نقول عنه نحن دائرة أصدقائه المقربين أنه تزوج النقابة وهو فى ريعان شبابه، ولم يزل على العهد معها وفياً ومخلصاً وصبوراً، ومن بعض تشنيعاتنا عليه أنا كنا نزيد فنقول أنه لا يمكنه أن ينام يوماً، أو يغمض له جفن بدون أن يمر على مبنى النقابة، كأنها ديار ليلى، وكأنه المحب الولهان..

وهو عندى بقية النقابيين الكبار، وقد التصق بهم منذ اللحظات الأولى لدخوله بلاط صاحبة الجلالة، ظلت النقابة وظلت خدمة الصحفيين هى شاغله الأول طول الوقت، انغمس فى العمل النقابى حتى أذنيه، تجد روح النقابة فيه، كأنها تلبسته أو كأنه تلبسها..

ويبقى يحيى قلاش عندى هو الامتداد الفاعل والمجدد لجيل من النقباء العظام، وهو الذى يحفظ تاريخ نقابتنا عن ظهر قلب، كأنه عاش كل عصورها، يعرفنا بين الحين والحين بنقابى كبير ودور مهم قامت به أسماء نسمع عنها، أو نقرأ سيرتها، لكنه يبدو لك وكأنه عايشها وعايش معها مجدها النقابى التليد..

الفرق بين أى أحد منا وبين يحيى قلاش، أننا جميعاً نتعامل مع النقابة بعض الوقت، أو فى أوقات الفراغ لدينا، ولكن يحيى قلاش يتعامل مع النقابة طول الوقت، نقابة الصحفيين عنده هى الوقت الأصلى، وكل وقتٍ عداها وقت إضافى يستغله فى تسيير أمور الحياة الأخرى..

نذر يحيى قلاش نفسه للعمل النقابى، ولم يسع إلى منصب مهنى، ولا استغل وجوده فى المجلس لدورات عدة، ولا موقعه كسكرتير عام لمدة ثمانى سنوات لتحقيق فائدة ما لشخصه، لم يحابِ أحداً ولو من أعز أصدقائه، ولم يخش فى حق من حقوق الصحفيين لومة لائم، ولا تخاذل عن موقف يجب عليه اتخاذه، إذا رأيته تذكرت النقابة على الفور، كأنه هو النقابة، أو كأنه هو الوريث الشرعى لكل هؤلاء النقابيين الذين مروا على مجالس النقابة وعلى مقاعد النقباء..

لا زلت أذكر كيف بادر يحيى قلاش بدون مشورة من أحد فأرسل إلى الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رسالة على الفاكس يسأله عن موقفه مما يجرى على أرض معركة القانون 93 المشئوم، وكان نص الرسالة بليغاً وموحياً، (جمعيتنا العمومية بعد غد السبت ما زلنا ننتظر كلمتك)، واستفزت الرسالة الأستاذ هيكل فبادر إلى كتابة خطاب موجه إلى الصحفيين والرأى العام وحمل يحيى قلاش أمانة أن يلقيها بنفسه أمام الجمعية العمومية، وكنت واحداً من الآلاف الذين امتلأت بهم القاعة الكبرى بنقابة الصحفيين القديمة وصوت قلاش يرتفع وهو يردد على مسامعنا قولة هيكل الشهيرة: (تلك سلطة شاخت فوق مقاعدها)، وأذكر أن القاعة ارتفعت سخونتها وضجت بالتصفيق الحاد، واستعادت العبارة مرة ومرتين وصوت قلاش يتهدج بها فرحاً وطرباً بكل هذا التأثير الساحر لكلمة لخصت المشهد فى مصر وقتها، وصارت من بعد كالأمثال السائرة.

ويحيى قلاش عندى وفى قناعتى هو الأنسب اليوم من أى أحد غيره، فى زمن يجب أن يستعيد فيه الصحفيون نقابتهم، وتستعيد فيه المهنة شرفها، ويستعيد فيه الصحفى كرامته، ليرفع رأسه فوق ويقول: أنا صحفى، ولن يفعل هذا إلا نقيب ومجلس نقابة لا ينتظر فتات الحكومة كل انتخابات، أو فى الملمات، مجلس ونقيب يأخذ حق الصحفيين كاملاً غير منقوص بقوته وقدرة جمعيته العمومية وحجته ومنطقه السليمين..

ويحيى قلاش من نوعية النقباء الذين لا يركعون لغير الله، لا يرهن إرادته لا لحزب ولا لجماعة ولا لمكتب إرشاد، ولا لمكتب سياسى، نقيب يعرف للنقابة دورها النقابى ووزنها الوطني، لا ينعزل عن المجتمع الذى نعيش فيه، ولا ينغمس فى عمل حزبى مكانه داخل أسوار الأحزاب خارج أسوار النقابة، نقيب يعتز بنقابة الصحفيين ويعرف قدرها، ويخدم الصحفيين بمحبةٍ وتقديرٍ لحق كل صحفى فى خدمة نقابية كريمة، خدمة تقدم بشكل كريم يليق بالصحفيين، نقيب يكون امتداداً لجيل النقباء الكبار، وعلى رأسهم نقيب النقباء كامل زهيرى الذى ارتبط به يحيى قلاش طويلاً، والتصق به، ووعى منه المعنى الحقيقى الكامن وراء العمل النقابى الشريف، وخاصة فى مهنة مثل مهنة الصحافة..

لم ينعزل يحيى قلاش ولا هو حصر نفسه فى العمل النقابى، ولا قصر دوره العام فى حدود ضيقة، بل ظل منذ كان طالباً فى الجامعة على تماس وتفاعل حقيقى مع قضايا الوطن، كنت تجده فى كل مظاهرة، وفى كل فاعلية وطنية جامعة، لم يتأخر عن مناسبة وطنية، وشارك على طول تاريخه فى العمل الوطنى العام، برؤية خاصة، وثاقبة تفرق بين ما هو آنى ومرحلى، وبين ما يأتى على المدى البعيد، وفى ميدان التحرير لم يتخلف ساعة عن الوجود الفاعل فى قلب الميدان، إلا ليشرف على الواجب المهنى تجاه حدثٍ بأهمية وخطورة ثورة الخامس والعشرين من يناير.

ويحيى قلاش صاحب شعار أن ننقل فعل التغيير من ميدان التحرير إلى شارع عبد الخالق ثروت، ذلك التغيير الذى يراه ضرورياً لأن يستعيد الصحفيون مهنتهم وكرامتهم ونقابتهم دفعة واحدة، تغيير يعبر عن شباب الصحافة والصحفيين، تغيير يواكب ثورة يناير، ويحمل روحها وألقها ونبل مقاصدها الوطنية الجامعة.

قلت إن شهادتى فى يحيى قلاش مجروحة بحكم صداقتى المزمنة له على مدار أربعة عقود من الزمن الصعب، ولكنى ما رأيت كبيراً من كبراء الصحفيين ولا كاتباً من كبار الكتاب، ولا صحفياً ولا صحفية من ذوى الشأن من صحفيى مصر إلا وأثنى على يحيى قلاش، يبدأ ثناؤهم بالحديث عن إخلاصه ونزاهته كنقابى كبير، ولا ينتهى عند ابتسامته الآسرة ودأبه المخلص من أجل تقديم خدمة صغيرة أو كبيرة لصحفى جاءه يسعى وراء حق مشروع له.

وألجم قلمى عن الاسترسال فى الحديث عن يحيى قلاش حتى لا تطول شهادتى لكم ولله وللتاريخ، ولكنى أدعوكم وقلبى مطمئن كل الاطمئنان إلى التصويت ليحيى قلاش نقيباً للصحفيين، فى وقت تمر به البلاد والنقابة والمهنة بظروف تحتاج إلى رجال من أمثال يحيى قلاش..





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة