صدر مؤخرًا، عن الدار المصرية اللبنانية، "الأعمال الشعرية الكاملة" لعبد اللطيف عبد الحليم الشهير "بأبى همَّام"، وتضم دواوينه السبعة: «أغانى العاشق الأندلسى»، و«لزوميات وقصائد أخرى»، و«هدير الصحف»، و«زهرة النار»، و«مقام المسرح»، و«الخوف من المطر»، و«صائد العنقاء».
وحرص الشاعر على إخراج أعماله الكاملة الآن؛ لأن الدواوين الستة الأولى بعُد العهد بها، ووزعتها مكتبات كثيرة ثم نفدت، وكل ديوان من هذه الدواوين يمثل طرفًا من وجوه الشاعر، لذا رأى أن يقدم ما يشبه الوجه الكامل فى هذه الأعمال الشعرية الكاملة.
ينزع أبو همَّام، فى شعره كله، منزعًا مثاليًّا، فالذات الشاعرة كأنما تصارع طوال الوقت قدرًا غامضًا يتحوَّل فى لحظات اليأس الكبرى، وحشًا لا قِبل لإنسان بمثل هذه الحساسية على مواجهته، فتتوزع روحه دائمًا بين المثال المنشود، والواقع الموجود، حتى فى اختبار الشكل، لا يغامر الشاعر بكسر النمط القديم، فهو – أيضًا – موزع بين ميراث قديم، له أصوله وقواعده، وآلياته المتشابكة، حتى لتشكل غابة مترامية الأطراف، خاضهـا الشاعر - أبو همَّام - وعرف مسالكها ودروبها، الوعر منها والسهل، المشهور فيها والمغمور، وبين حياة عصرية، لها من ناحية أخرى، فمنها الملتصق بها والذى يحاول التعبير عنها، لكن مثاليته تنتصر، حتى لتدخله من ناحية ثالثة، مأزقًا وجوديًّا.
وصل عبد اللطيف عبد الحليم، فى إجادة فنه، وابتكار طريقته فى التعبير، حتى أنك لو قرأت قصيدة هو كاتبها، وليس عليها اسمه، لنسبتها إليه فورًا، وتلك ذروة من ذرى النجاح فى الفن، حتى لو اختلفت مع هذه الطريقة، وهو وإن سلكها شعرًا، عبر عن موقفه الفنى هذا نثرًا، حين أهاج عليه الدنيا بوصفه للشعر الحديث وقصيدة النثر، بالإيدز وواجه وحيدًا جحافل الحداثة والغوغاء، عبر تبحره فى معرفة أصول الفن الشعري، حتى ليدخل من ناحية رابعة، فى تحدٍ مع نفسه، ومع مناوئيه، ويكتب اللزوميات، أعقد وأدق فنون الشعر التزامًا وتمكنًا.
تكاد قيمتا الفقد، والحب المستحيل تهيمنان على مجمل إبداع الشاعر أبو همَّام، فمنذ القصيدة الأولى فى ديوان «أغانى العاشق الأندلسى» تواجهنا قصيدة «كارمن أشبيلية» وتليها «كارمن قرطبة» اللتان تضعانا فى مواجهة مع ذات شعرية تخلق عالمها المثالى الجميل، لكنها تفجع دائمًا بفقد هذا العالم، وكأنما «كارمن» فى القصيدتين رمز لعالم آخر يطمح إليه الشاعر، ويجدّ فى البحث عنه، ولا يجده ولا ييأس من البحث.
أما قيمة الفقد الواقعى فتتمثل فى مرثياته للعديد من أساتذته وأصدقائه، وقصائده فى هذا السياق، تقترب من الوجودية البحتة وتحمل روحًا أسيان، ومشاعر شفيفة مشفقة محبة، حتى أن الأعمال الكاملة كلها مهداة إلى: «شيخى ومعلمى الأول الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد».
والسر يكشفه المبدع بقلمه فى مقدمته «تجربة الحياة والإبداع»، وفيها مرة أخرى نواجه بوجودية مثالية؛ حيث يقول: «ولعل قضية الإبداع نعرف سرَّها إذا عرفنا سر الحياة وهيهات، نحن فقط نقبض على الظلال بالأكف، ونحسب أننا – لخداعنا أنفسنا – نقبض عل جواهر الأشياء».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة