كما أدى غياب التوزيع العادل للثروة إلى قيام ثورة يناير، سيؤدى غياب التوزيع العادل للثورة إلى قيام ثورة أخرى، وكما اندلعت الأولى نتيجة فساد مالى بحت، ستندلع الثانية بسبب الفساد السياسى الفج.
ومنذ سقوط الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى 11 فبراير الماضى، دخلت مصر عهداً جديداً من الفساد السياسى المكشوف والمقنن والمدفوع بقوة هائلة من قنوات التسويق والتلميع التى تركت أطرافا بدل قيادات الحزب الوطنى، لتتعلق بالسترات العسكرية لحكام البلاد الجدد.
أصبح تقسيم الكعكة يتم بلا خجل، ودون انتظار لكلمة الشعب صاحب الثورة الحقيقى، والذى لولا خروجه بالملايين يومى 28 يناير و10 فبراير ما ترك مبارك مقعده فى قصر العروبة مترامى الأطراف، ونام على سرير طبى داخل قفص ضيق مع المتهم الأول بإزالة دولته.
تحول المجلس العسكرى من حامٍ للثورة وداعمٍ لها، إلى نموذج أقرب لأعضاء الجمعيات الخيرية الذين يقفون فى شوارع مصر قرب أذان المغرب فى شهر رمضان، ويوزعون وجبة الإفطار على من تصادف وجودهم فى الشارع فى هذا التوقيت، بعد أن يحجز لنفسه عدة وجبات تكفى لإفطاره وأسرته.
وأعتقد أن شخصاً مات رفيق عمره بين يديه فى ميدان التحرير، لن يقبل بأن يكون نائبه فى المجلس أو وزيره فى الحكومة أو حتى رئيسه فى العمل، واحد ممن أفسدوا البلاد طوال العقود الماضية، ووقتها ستحدث مواجهة بين الشعب ومؤسساته والشعب وبعضه، وإياك أن نطمئن إلى أن غالبية المصريين من أعضاء حزب الكنبة وغيرهم يؤيدون المجلس العسكرى، فلو أجريت انتخابات رئاسية فى أى يوم من أيام الثورة لنجح مبارك أمام أى منافس.. العبرة بالعزيمة وبعمق الجرح الموجود فى القلب.
مشكلة المجلس العسكرى الحاكم أنه لا يعرف أصحاب الثورة الحقيقيين، ويشعر بضرورة توزيع الوجبات التى معه – والتى هى مؤسسات الدولة فى النظام المقبل – فى أسرع وقت وقبل أذان المغرب – الذى هو نهاية الفترة الانتقالية – على الذين يتصادف وجودهم فى الشارع وقت الأذان – الذين يلبون دعواته للحوار – ليعود إلى المنزل مبكرا يتابع الفوازير.
هذا الوضع ربما يليق بشنط رمضان، لكنه لا يليق بصياغة مستقبل مصر، والمعضلة الحقيقية أن المجلس العسكرى لا يكتفى بدوره كمسير للأعمال ومشرع للقوانين الوقتية خلال الفترة الانتقالية، ويحاول أن يكون له دور فى المنح والمنع لأن هذا يضمن له ولاء من أتى بهم، وتملق من أقصاهم.
يجلس المجلس العسكرى مع الأحزاب مرة، فيسن لها القوانين التى ترضيها.. يتركها ويقابل ائتلافات الثورة، فيجزل لها العطاء.. ينظم الإسلاميون مليونيتهم فيراعى وضعهم فى الدستور المنتظر.. يتظاهر الليبراليون فيخرج تصريح عن تمسك المجلس بمدنية الدولة.
اتركوا كل الاعتبارات يا سادة ولا تنظروا إلا إلى مصر ومستقبلها، فأنتم المؤتمنون على أعظم ثورة فى التاريخ، ولستم أعضاء مجلس عرفى تصالحون بين قبيلتين متنازعتين..
دعونا نضع القوانين الإجرائية التى تضمن عملية انتخابية نزيهة، وفرصا عادلة لجميع المتنافسين ثم نترك للشعب مسئولية توزيع الثورة على من يراه يستحقها، صحيح الاختيار لن يكون عادلاً تماماً فى هذه الانتخابات، وسيدخل المجلس من يستحقه بل وربما يصعد إلى الرئاسة من لا نثق فى رجاحة عقله وحسن تصرفه، لكن التكرار يعلم الشطار، وطالما عرف الشعب أن الاختيار بيده وحده، سيدخل الجميع على "الفرازة" فى المرة القادمة ويقصى المقصر إلى الأبد، دون حاجة لقانون الغدر أو العزل.
لأننا نحب هذا البلد نتمنى له مخاضاً سريعاً، ولأننا نحب الجيش نتمنى لمجلسه العسكرى خلاصاً فورياً، ولأننا نحب الثورة نتطلع لأن يمثلنا الشاب الذى وقف فى وجه المدرعة ثم اختفى، لا من اختفى خلفها خوفاً ثم خرج بعدما وضعت الحرب أوزارها طمعاً فى المكاسب.. استقيموا يرحمكم الله.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
vipoma
يا تامر اتكلم فى حلول مش فى مشاكل ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد قاسم
ثورة شعب
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى فرغلى
بر الامان