هناك مشكلة حقيقية تتعلق بوضع الأقباط فى مصر، وهذه المشكلة لم تبدأ بمذبحة ماسبيرو فى التاسع من أكتوبر الجارى، إنما بدأت قبل ذلك بسنوات وعقود، وظلت تعقيداتها تتراكم دون حل جذرى، الأمر الذى أدى إلى انفجار أحداث طائفية خطيرة بين الحين والآخر، فى ظل إستراتيجية ثابتة لا تتغير، تتلخص فى المسكنات الوقتية للأعراض، دون علاج لجذور المرض الدفين، فضلاً عن تبنى خطاب سطحى منافق.
حدث هذا قبل ثورة 25 يناير واستمر- للأسف الشديد- بعد 25 يناير، وكأن البلاد لم تحدث بها «ثورة» كان يجب أن تصل رياحها إلى هذا الملف المفخخ الذى دأب النظام السابق على استخدامه كفزّاعة للجميع، مسلمين ومسيحيين، بل واللعب بنار الفتنة الطائفية واصطناعها عند اللازم، مثلما حدث ليلة رأس السنة فى كنيسة القديسين بسيدى بشر بالإسكندرية.
وعلى العكس تماما من مشاهد الوحدة الوطنية التى تجلت فى أنبل صورها بميدان التحرير بين 25 يناير و11 فبراير، تكررت وقائع طائفية بشعة بعد ذلك، تعاملت معها حكومة الدكتور عصام شرف بنفس إستراتيجية حكومات حسنى مبارك!
وكانت الثمرة المرة لهذا الأسلوب «التعتيم» هى تلك الليلة الكابوسية المفزعة والدموية فى ماسبيرو، وكان الأخطر من إراقة دماء مصرية غالية، هو التغطية الإعلامية الحكومية السيئة التى وصلت إلى حد الجريمة بكل المقاييس المهنية والسياسية والأخلاقية، والتى كان من الممكن أن تؤدى بالبلاد إلى كارثة أبشع.. والسؤال الآن هو: ماذا بعد؟
المشهد مخيف، ولا يجب التهوين من خطورته، خاصة أن مذبحة ماسبيرو لا تشكّل فقط نقلة نوعية تدق أجراس الخطر فى العلاقة بين المسلمين والمسيحيين المصريين، إنما أيضا لأنها تتزامن مع نشاط محموم لجرثومة التفكك التى سلطنا عليها الأضواء فى مقالات سابقة، والتى تنخر فى مرتكزات التماسك الوطنى، على النحو الذى رأينا مقدمات مزعجة لها فى أقصى الشمال الشرقى فى سيناء، وفى أقصى الجنوب فى النوبة.
إذن.. الهوية الوطنية لأقدم دولة فى التاريخ تتعرض للتفكيك، وبالطبع فإن هناك أصابع إقليمية ودولية تحاول الصيد فى الماء العكر، لكن أصل الداء يحمل شهادة منشأ مصرية، وهذا ما يهمنا التركيز عليه بدلاً من إدمان تعليق التحديات التى تواجهنا على شماعات خارجية فقط، والملف القبطى نموذج صارخ لذلك، فقد استمر التعامل معه قبل 25 يناير، وبعد 25 يناير، باعتباره ملفا «أمنيا» فى المقام الأول، بينما واقع الحال يقول إنه ملف ثقافى واجتماعى بامتياز، وإن التعامل الجاد معه يجب أن يقودنا إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفى مقدمتها التعليم والإعلام.. فهنا بيت الداء، وجذر الكارثة الطائفية. وبدون تغيير جذرى لمناهج التعليم المتخلفة والرجعية، وبدون تغيير المناخ العام فى المدارس التى تحولت إلى أماكن وبؤر للفرز الطائفى، وبدون ثورة حقيقية فى الإعلام تعيد الاعتبار إلى أصوله المهنية- يصبح الحديث عن مقاومة للنعرات الطائفية لغواً فارغاً.
أضف إلى ذلك أن المواجهة الجادة لهذه النعرات المدمرة للوطن والأمة تحتاج إلى تطبيق نزيه للقانون، فليس من المعقول أن يتعرض الأقباط لأكثر من 160 اعتداء منذ عام 1972، ولا يصدر حكم رادع واحد ضد واحد من الجناة! أضف إلى ذلك أن المواجهة الجادة تتطلب أيضاً إرادة سياسية تضمن تفعيل قانون مناهضة التمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس، وتحطيم القيود العثمانلية المفروضة على حق الأقباط فى بناء كنائسهم، فى إطار مشروع حضارى متكامل ينحاز إلى الدولة المدنية الحديثة، وما تستلزمه من وقوف الدولة على مسافة واحدة من كل المواطنين، بصرف النظر عن معتقداتهم وأديانهم.. وهذا بدوره يعنى إرادة سياسية تتصدى لتسييس الدين وتديين السياسة، حتى يبقى الدين لله والوطن للجميع.
عدد الردود 0
بواسطة:
نبيل وهيب
لوجة الله
عدد الردود 0
بواسطة:
مارى جورج
شكرا على أرائكم المعتدله
شكرا يااستاذ سعد مصر بخير طالما انتم بها
عدد الردود 0
بواسطة:
astakoza
شكرا ياعم سعد
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس / محمود الامبركابي ......نوبي
شكرا استاذ سعد هجرس
عدد الردود 0
بواسطة:
جرناوى
الى الاخ مصطباوى رقم 1
عدد الردود 0
بواسطة:
ميخائيل كامل
تحية للاستاذ الكبير
عدد الردود 0
بواسطة:
سعيدة رمضان صحفية جريدة العالم اليوم
اخلاقيات اللعب عند الكلاب يا بنى ادميين
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدى سليمان - فيينا - النمسا
نوبى أنا...فخور بعرقى ولونى وهويتى