أحمد إسماعيل السيد ملحن ومطرب، يمتزج عنده الشعر بالسياسة والموسيقى بالأصالة والغناء بالنصر والثورة، يذوب بداخلك أى إحساس بالإحباط مع سماع عزفه على العود، وهو يحتضنه بين ذراعية بنهم وشوق وكأنه محبوبته الذى ظل يبحث عنها، ويخاف أن تفارقه، تراه يوشوشه بالكلمات لتخرج أغنيات تهز قلب الجميع، وتذكرهم بالنصر والثورة والمقاومة، حين يبدأ بـ "ازرع كل الأرض مقاومة" للشاعر فؤاد حداد، يهيم الكل مع الموال ليصطفى من بين كلماته بداية جديدة ليوم ملىء بالنضال، وحين يداعب الحضور بـ "مفيش فى الأغانى كدا ومش كدا" تتراقص القلوب حبا وفرحا بمصر اللى شايلة الشجر من زمان وزرعة البرتقال ورصيف السيدة والعجوز اللى دق البيبان، ومع لحن وكلمات "القاضى" يفجر الثورة والنقمة على كل ظالم، لينتهى بحبنا الكبير وينسج حول محبوبته الأولى مصر هالة من الحب والعشق تستطيع أن تجعل الجميع يولد من جديد.
حين تسمعه يردد أغانى الشيخ إمام عيسى ستعرف أن الحب عنده حالة من النشوة، ووفائه لمعلمه يجعل من الألحان وروداً تتناثر فى حبه لإمام وسيد درويش ونجم وحداد وجاهين.
اتخذ لنفسه دربا يسير فيه منفردا، وظل صوته ناقوسا يذكرنا دائما بالأصالة والحياة ومصر، أحمد إسماعيل فنان لألحانه طعم خاص به وبزمن جميل، البعض يعتبره خليفة المطرب والملحن المصرى الراحل الشيخ إمام، لتمسكه بالعزف والغناء منفردا، معظم الوقت، على آلة العود.
بعيداً عن الكاميرات وحب الظهور تراه قابعا فى الصالونات والأمسيات الثقافية وحفلات الناصريين تارة والتجمعين تارة أخرى، فهو يحسب على الجميع، مع العلم أنه لم يكن عضواً فى هذا الحزب أو ذاك، حظة العثر أوقعه فى شباك دائرة مفرغة يدور فيها بحب ونهم زاهدًا الشهرة والمال، وحين احتاج ملحناً ينسج له ألحانه الخاصة بأغان جديدة له لم يسعده الحظ، فبات يلحن لنفسه ويختار كلماته بمنتهى الدقة، ظهرت مع ألحانه ملكات أخرى له غير الصوت الأصيل، فكان ملحنا مبدعا ومطربا أكثر إبداعا.
لم يترك ميدان التحرير خلال أحداث ثورة 25 يناير، يشعل نار الثورة وقلوب شبابها بألحان وكلمات توقظ بداخلهم الحب والقوة والشباب، لحن "ارفع راسك فوق انتى مصرى" لجمال بخيت المستقاة من شعار الشعب، فتفاعل معه الجميع ورددوا قوة "ارفع راسك فوق انت مصرى".
بدأ أحمد إسماعيل رحلته مع الموسيقى فى مرحلة المدرسة الثانوية ضمن فريق مدرسة الثانوية السعيدية الشهيرة فى ذلك الوقت، والتحق بالمعهد العالى للموسيقى العربية، حيث درس فيه لمدة خمس سنوات، دون أن ينهى دراسته، بعد أن داهمته أفكار انتشرت أيام المد الدينى المتشدد حينذاك تقول إن الموسيقى حرام، وترك إسماعيل المعهد لكى يؤدى الخدمة العسكرية، وظل حبه للعود يدفعه لتثقيف نفسه موسيقيا، وهو خارج أسوار المعهد واقترن اسمه وصوته ونغمات عوده بالتظاهرات السياسية؟ احتجاجا على الممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية واللبنانية، فمن السهل أن تراه ممسكا بعوده وسط حشد من المحتجين فى مقر لأحد الأحزاب أو النقابات، يغنى منشدا العديد من الأغانى الوطنية، سواء من ألحانه أو من ألحان آخرين، كالشيخ إمام، وسيد درويش، والأخوين رحبانى. لكن الغناء فى حفلات الأحزاب والمنتديات السياسية، خاصة إذا كانت مُعارضة، لا يمكن أن يؤمِّن حدا أدنى من الحياة.
أخذته الدنيا لتفاصيلها فتزوج وأنجب أربعة أطفال، ولدان وبنتان، كان عليه البحث فى أفق جديدة بعد أن فقدت قوى اليسار انتشارها، ودفع ثمن حبه للغناء الأصيل من جهده ووقته دون مقابل يساوى إبداعه، أو يعطيه حقه الأدبى والمعنوى والمادى.
عمل أحمد إسماعيل موظفا فى البيت الفنى للمسرح، وهو من مواليد محافظة الجيزة القريبة من القاهرة عام 1962، له ألحان متفرقة فى العديد من الأعمال المسرحية، منها مسرحية "نسمة سلام" عام 1995، مع الفنانة عفاف راضى، وغيرها من مسرحيات الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأخرى مع فنانين منهم أحمد الحجار وحمدى هاشم ومحمد الفيتورى، كان معظمها خلال التسعينات.. وكذلك شارك فى وضع ألحان أغانى ألبوم "رفيق عمرى" مع الفنانة عايدة الأيوبى.
كان أول عمل سينمائى له مع المخرج خالد يوسف من خلال مشاركته بألحان فى فيلم "العاصفة" عام 2000، وكذلك فيلم "خيانة مشروعة" فى 2005. وقبل عامين ظهر أحمد إسماعيل على مدى أكثر من 15 حلقة فى برنامج "حبايبنا" على إحدى القنوات الفضائية مع الشاعر أحمد فؤاد نجم، إلا أن مشاركته بألحان فى فيلم "دكان شحاتة"، لفتت إليه الأنظار، وجعلته يترقب المشاركة فى أعمال جادة جديدة، وبالفعل جاءت مشاركته فى فيلم خالد يوسف المنتظر عرضه فى العيد فيلم "كف القمر" ليغنى أحمد إسماعيل الخمس أغانى الموجودة بالفيلم، أربعة من ألحان أحمد سعد وتأليف جمال بخيت، والخامسة غناء وألحان إسماعيل التى اشتهرت معه باسم "طوبة حمرا وطوبة خضرا" لفؤاد حداد من ديوان وياما كان سبق وغنى ولحن إسماعيل للشاعر جمال بخيت مجموعة من الأعمال منها أغنية "واحد اتنين سرجى مرجى، ومرمر زمانى، وارجع بقى، واضرب برصاصة سليمان، وارفع راسك فوق انت مصرى" أثناء ثورة 25 يناير.
وحين تسمعه يغنى الجمهورية المتحدة ترى فيه عشقه للوحدة العربية، فتتناغم وتتراقص مع لحن الأغنية وكلمات حداد، وأخيرا "مش هتغيب عن بالنا يا حمزة" كلمات الشاعر عصام علم الدين، أغنية للطفل السورى الذى اجتزت أعضاؤه على يد الوحشية السورية، ثم أعدموه، وهو لم يتعد عمره 13 عاما.
اختار أحمد إسماعيل الطريق الصعب، الذى يجد فيه فكرة تحترم عقل الناس، وتحترم عاداتهم وتقاليدهم، فكان فنان من نوع خاص، بعيداً عن الأضواء والشهرة، ولم يسع يوماً لتسويق نفسه إعلاميا، ولم يتحول لترزى أغانى أو ألحان، فظل جمهوره الحقيقى من المثقفين ومقاهى وسط البلد، يحمل بين طياته قلب عصفور وعقل كهل وإبداع زمن، افتقدناه من وقت طويل، فهنيئا لنا به صديق عزيز نفتخر به ونسعد بقربه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة