صدر مؤخرًا، عن دار سطور، للنشر والترجمة، ترجمة عربية لكتاب بعنوان "تأثير إيران ونفوذها فى المنطقة" للكاتبة الإيرانية "إلهة روستامى- بوفى"، ونقله للغة العربية الدكتورة فاطمة نصر، ويقع الكتاب فى 300 صفحة من القطع المتوسط، متضمنًا ثمانية فصول، ويقوم الكتاب، كما تشير المؤلفة على شهادات أدلى بها إيرانيون وعراقيون ولبنانيون وفلسطينيون ومصريون نشطاء صحفيون، ولاجئون منفيون وأكاديميون، من مختلف التوجهات السياسية التى تراوحت بين الاتجاهات الإسلامية والحداثية إلى اليسارية والعلمانية والقومية والنسوية، وحاورتهم الباحثة طوال الفترة ما بين عامى 2007 و2009 فى كل من إيران وسوريا وفلسطين ومصر وبريطانيا.
يبحث الفصل الأول فى الأسباب والموروثات التاريخية لثورة 1979 فى إيران ويستعرض اللاعبين الرئيسيين فيها (النساء والعمال) الإسلاميين القوميين، واليسار، ويذهب إلى دعم الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا لنظام الشاه الديكتاتورى ومعه غياب الأفكار والإستراتيجيات المتسقة المقررة محليًا لكسب دعم القواعد الشعبية أضعف اليسار العلمانى والقوميين، وكان عاملاً مساعدًا فى ظهور التيار الإسلامى المحافظ فى السنوات التى تلت ثورة 1979، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان ثمة حوار ومناظرات بين هؤلاء الذين رغبوا فى الحفاظ على الإسلام التقليدى المحافظ، وأولئك الراغبين فى اعتناق نموذج ديموقراطى حديث، زادت الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) من شعبية الإسلام المحافظ فى إيران وفى أنحاء المنقطة، مما أدى إلى تطور ممارسات القمع الداخلى والسياسات الخارجية الإقليمية الشعبية.
ويناقش الفصل الثانى تطور المجتمع الإيرانى فى التسعينيات، ويدرس ظهور التحدى للإسلام المحافظ، ويتفحص ظهور الحركة الإصلاحية فى التسعينيات؛ ونضال الحركة الديمقراطية الذى مازال مستمرًا (الاتحادات العمالية والنقابات، والطلبة، والأقليات الإثنية والدينية والنساء)، فى ظل حكومة أحمدى نجاد منذ 2005، والتظاهرات التى أعقبت انتخابات 2009 الرئاسية، وينتهى الفصل إلى أنه على الرغم من الأشكال المحددة للأيديولوجيا المحافظة والقمع السياسى، ما زالت هذه الحركات مستمرة فى نضالها حتى تتحقق الديمقراطية كاملة فى إيران.
ويتناول الفصل الثالث التقسيم الشيعى السنى تاريخيًا، وتغيير الخطاب الشيعى فى إيران، منذ صعود الشيعة إلى السلطة بين القرنين السادس عشر والثامن عشر إلى تهميش رجال الدين الشيعة فى القرن العشرين، ومن استيلائهم على السلطة السياسية للدولة فى أعقاب ثوة 1979 إلى التسعينيات حينما "تحدى المفكرون المتدينون الجدد" كجزء مهم من حركة الديمقراطية حكم رجال الدين المحافظين، والهدف هو تحليل تضمينات الديناميات السياسية/ الاجتماعية الداخلية فى إيران بالنسبة للمنطقة.
ويستعرض الفصل الرابع الخلفية التاريخية للعلاقة بين إيران ولبنان، ويقترح أن ظهور حزب الله كان النتيجة المباشرة لاجتياح إسرائيل للبنان ولدعم الغرب لإسرائيل، مما أدى إلى إضعاف اليسار العلمانى والحركات القومية وصعود التيارات الإسلامية، ثم يناقش كيف أن حزب الله ومنذ بداية التسعينيات وبدعم من إيران بدأ المشاركة فى السياسة الانتخابية، وكيف أنه يضطلع ببعض وظائف الدولة من خلال توفيره لبعض الموارد وكيف كسب تأييد غالبيته فى أوساط الطائفة الشيعية وأيضًا الفلسطينيين السنة وشرائح من الطوائف المسيحية والدرزية، وفى هذا السياق تذهب الباحثة إلى أن حزب الله، وعلى النقيض مما يراه عامة الغربيين، ليس امتدادًا لإيران، فإن الشيعة التى يتمتع بها حزب الله بين غالبية من اللبنانى نهى رد فعل على حروب إسرائيل فى لبنان.
ويتفحص الفصل الخامس الخلفية التاريخية للعلاقة بين إيران والعراق، وبخاصة علاقات الاستمرارية والتغيير بين طوائفهما الشيعية، وترى الكاتبة أنه على الرغم من الروابط الشيعية التاريخية بين البلدين فإن غالبية الشيعة العراق ظلوا ومازالوا حتى اليوم يتماهون مع التيارات القومية العراقية والعربية لا مع الشيعة الإيرانيين.
ويناقش الفصل السادس العلاقة بين إيران وفلسطين، وتوضح الخلفية التاريخية لقيام الدولة الصهيونية، ودعم الدولة الإيرانية فى ظل الشاه للصهيونية، وبالتقابل فقد عكست السياسية الإيرانية منذ الثورة، ويذهب الفصل إلى صعود حماس وتوليها السلطة كان نتيجة مباشرة لسياسات الولايات المتحدة والدولة الصهيونية فى المنطقة.
أما عن الخلفية التاريخية للعلاقة بين إيران ومصر، فيتناولها الفصل السابع ويوضح أن التطور الرأسمالى اقتضى فى مصر الهيمنة الأجنبية، وكنتيجة لهذا شاركت قطاعات مختلفة إسلامية قوميون وشيوعيون ونساء وعمال أقليات فى النضال ضد الإمبريالية أيضًا، ومثلما هو الحال فى إيران، غدت التوجهات الإسلامية الحداثية ذات تأثير كبير فى مصر.
وفى الفصل الثامن والأخير، تقوم الباحثة بتحليل السياق الكوكبى للدولة الدينية السياسية والمجتمع الإيرانى، وترى فيه أن عداء الغرب لإيران متجذر فى رغبته لعودة البلد لوضع الدولة التابعة العميلة للغرب كى يضمن هيمنته الاقتصادية والسياسية على المنطقة وينكر على إيران استقلالها، وتعمل التهديدات المتواصلة بالحرب، والتدخل العسكرى وفرض العقوبات وتمويل عمليات "تغيير النظام" على تقويض الحركة الديمقراطية فى إيران، وأنه بالمثل فإن عداء الغرب للحركات الإسلامية الحداثية سيعمق من العداء السياسى للغرب وللدول العميلة بالمنطقة، مما ينتج عنه فى نهاية المطاف تقوية التيارات الإسلامية فى المنطقة وعلى المستوى الكوكبى.
و"إلهة روستامى – بوفى" تعمل باحثًا مشاركًا بمركز دراسات السينما والإعلام، وعضوًا بمعهد لندن لدراسات الشرق الأوسط، ومركز الدراسات الإيرانية، ومركز الجندر بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، وتتركز أبحاثها على إيران وأفغانستان والشرق الأوسط، وبخاصة على قضايا الجندر فى إيران وأفغانستان، ولها كتاب بعنوان "الأفغانيات: الهوية والغزو" عام 2007، وآخر بعنوان "النساء والعمل والحركات الإسلامية: الأيديولوجيا والمقاومة فى إيران" عام 1999، وصدر كلاهما باسمها المستعار "أى مريام بويا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة