نبيل عمر

ثورة فى أرض النفاق!

السبت، 15 أكتوبر 2011 05:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتعجب المرء من كم الأخطاء التى ارتكبناها منذ صباح 12 فبراير وإلى الآن، أخطاء بالجملة، بعضها متعمد مع سبق الإصرار والترصد، وبعضها نقص خبرة وقلة معرفة، ويبدو أننا سقطنا فى فخ الأوهام الساذجة، وتصورنا أن رحيل حسنى مبارك عن السلطة هو المراد من رب العباد، وكافٍ تمامًا لأن تحل كل مشاكلنا من تلقاء نفسها، ودخلنا فى صراع شرس على تقسيم الغنائم والأسلاب، ولم نفكر فى كيفية إنقاذ مصر من مستنقع التخلف الذى تسبح فيه منذ قرون، أقصد تفكيرًا مجتمعيّا استراتيجيّا، أول خطوة هى بناء نظام جديد عصرى يستند إلى منظومة قيم حديثة فى العمل والإنتاج والتعليم والتفكير.

وهذه الأخطاء الفادحة التى تكاد فى بعض منها تصل إلى حد «الجرائم» هى التى فرشت أمامنا الطريق إلى جهنم الفوضى والارتباك والتى وصلت إلى ذروتها فى أحداث ماسبيرو!
لكن أكبر هذه الأخطاء هو حالة النفاق التى ضربت البلد من أوله إلى آخره، نفاق لميدان التحرير، نفاق للثوار الشبان، نفاق للمجلس العسكرى، نفاق للقوى السياسية، «وبين بعضها البعض»، نفاق لأهالى «قتلى» سقطوا فى أيام الثورة، ولم يكونوا من المتظاهرين بأى حال من الأحوال، نفاق لأصحاب المطالب الفئوية، نفاق لأصحاب المطالب الطائفية، نفاق للتيارات الدينية.. إلخ، وكان الإعلام الفضائى هو قائد مسيرة النفاق العظيم، ثم تبعته الصحف والإذاعات بجدارة، حتى وصلنا إلى حافة الفتنة الوطنية، وهى الأخطر فى تاريخ مصر الحديث!
وحتى ونحن نتعامل مع أحداث ماسبيرو الكارثية، لم نحاول أن نتحدث عن الوقائع كما حدثت على الأرض، ولجأنا للتحليلات السياسية العامة التى يسهل فيها إدانة طرف وتبرئة طرف، دون أن نتعرف الحقيقة ونضع أيدينا على بيت الداء فنستأصله.

طبعًا كان هناك «مندسون» قدموا من الأحياء المجاورة لمبنى ماسبيرو، وسبق لهم أن هددوا من تظاهروا واستوطنوا الميدان من قبل وسدوا الطريق وأعاقوا الحركة، وهؤلاء المندسون يخدمون عند أصحاب مصالح قريبة، تتعطل أشغالهم، وقد توعدوا الذين يعودون ويهددون بالاعتصام أمام ماسبيرو بالضرب.. وهؤلاء مسلحون وخطرون ومدربون على الخناقات والكر والفر.

لكن أيضًا كان هناك متحمسون ومشحونون ومندفعون وغاضبون إلى حد الجنون، بين المظاهرة السلمية، ورددوا كلامًا عن الشهادة والتضحية، وهذا مسجل وموجود. وبالطبع ليست هذه محاولة لإدانة طرف أو تبرئة طرف، لكن لتفسير الملابسات التى وقعت فيها أحداث ماسبيرو، والتفسير لا يعنى قبولها أو تبريرها.. فقط نريد أن نعرف ما حدث ولماذا حدث.

لكن النفاق العظيم فى الفضائيات، ودون أى معلومات، اندفع من الطرفين إلى قراءة مشاهد لم تحدث، وروى أشياء من خياله، سواء لإرضاء المصريين المسيحيين الذين سقط منهم 26 قتيلاً ومئات المصابين، أو إرضاء المصريين المسلمين المتعصبين الذين تعاطفوا مع الجيش ضد الاعتداءات عليه. وفى ظل القراءات المغلفة بالنفاق تشتعل الأرض بالتحريض والطائفية والكراهية التى تبلغ عنان السماء.

والمدهش أن الذى بدأ اللعبة هو المجلس العسكرى، فلم يطبق بجدية حظر التجوال الذى فرضه أيام الثورة، من باب نفاق الشعب، وفى اختيار لجنة تعديل الدستور التى ضمت «قوى سياسية» يراها هى الأكثر تأثيرًا فى الشارع، ثم قلدته الحكومة فى التعامل مع ثوار ميدان التحرير، فكانت تستشيرهم فى أمور الدولة، وهم لا يعلمون عنها شيئًا، بل أعد لهم رئيس الوزراء عصام شرف مكتبًا لمراقبة أعمال الوزارة.. ثم راح الإعلام الرسمى والخاص ينافق التيارات الدينية، ورأينا على شاشات التليفزيون قتلة يتحدثون إلى الناس كما لو كانوا أبطالاً وطنيين.

وقبل أن تفيق مصر من ضربة لجنة تعديل الدستور وهجمة التيارات الدينية اندلعت المطالب الفئوية ومليونيات المحاكمات، وقطع الطريق فى قنا اعتراضًا على تعيين محافظ مسيحى.. ولم يتطوع أحد بقول الحقيقة أو شرحها كما هى على أرض الواقع.. أغلب الكلام نفاق فى نفاق، ناس تطبطب على ناس، ولا يهم أن تغرق مصر أو تعمها الفوضى. فهل يمكن أن نكف جميعًا عن النفاق: الفضائيات والحكومة والمجلس العسكرى والصحف العامة والشخصيات السياسية ورجال الدين ومؤسسات المجتمع المدنى؟
النفاق هو أخطر أعداء الثورة!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة