جلست مع نفسى فى لحظة تفكر وتأمل لما حدث ويحدث حولنا كل يوم والتطورات والتغييرات التى تطرأ على حياتنا وعلى مجتمعنا التى أصبحت أسرع من التطور الطبيعى للحاجة الساقعة!
وإذ أجد نفسى وسط أجدادى الذين سبقونا إلى دار الحق ولكننى وجدتهم حائرين وغاضبين وفى نَفَس واحد قالوا: "يا أنت" وأمطرونى بوابل من الأسئلة إليكم مُفادها:
س. لقد تركناكم ورحلنا عنكم فى زمن كان به زعيم وطنى ومصرى أصيل فهل وجدتم أحداً من بعده بنفس المواصفات؟
ج. للأسف لم يحالفنى الحظ ولم أعش فى زمن هذا الرجل، ولكن ما أذكره عنه أنه من المخلصين لهذا الوطن وساهم وقاد ثورة طهرت البلاد، وأعادت الحقوق إلى أصحابها وساعد الفقراء والفلاحين والعمال وفعل كثيرا من أجل هذا الوطن.
س. وماذا حدث بعد ذلك؟
ج. عشنا حلاوة النصر والثأر للكرامة وتحررت سيناء الحبيبة، ولكن للأسف اغتالوا رجل الحرب والسلام الذى كان من أعضاء ثورة يوليو المجيدة.
س. وهل وجدتم من يحمل الراية من بعده ويبنى هذا البلد من جديد؟
ج. أراد الله أن يحكمنا أحد رجال حرب أكتوبر ورحبنا بذلك لثقتنا العمياء فيه وبدأ شريفاً مناضلا وسياسيا واعياً وقنوعاً، إلى أن جاءه الشيطان فى صورة زوجته ووسوست إليه أن هذا البلد وسية وتكية وهم الورثة الوحيدون، ولكن انقلب السحر على الساحر وكانت فضيحتهم بجلاجل.
س. والآن ماذا أنتم فاعلون ومن هو الرجل الذى سوف يحمل هموم هذا الشعب وتلبية مطالبه ويحمى أراضيه؟
ج. الآن لا نثق إلا فى رجال القوات المسلحة "الجيش" لأنهم هم الذين حموا البلاد من حرب أهلية وحموا شبابها من الهلاك وأخذوا على عاتقهم ألا يسلموا البلاد إلى فرعون جديد ولكننا كثيراً ما نسىء إليهم.
س. حدثنا عن أحوالكم المادية وهل الموظف لا تزال له هيبة ووقار ومرتبه يكفيه ويكد ويعمل من أجل وطنه؟
ج. بالنسبة لأحوالنا المادية فبعد أن نهبوا ثرواتنا وخيراتنا أصبحنا نواجه المجهول وبالنسبة للموظف فهو الآن لا يستطيع أن يشترى الجريدة اليومية مثلما كنتم تشترونها بسهولة، كما أنه لم يتمكن من الدخول على أسرته بكيس فاكهة أو بطيخة بين ذراعيه كل كام يوم على أولاده! وأصبح لا يجد الوقت للجلوس فى بيته مع زوجته ومراقبة تربية أولاده ومراجعة دروسهم بسبب ربطه فى ساقية لقمة العيش وأصبح لقب موظف يتوارى منه الناس، ولكننى أبشركم فقد أفتى المفتى بأن الموظف يستحق الزكاة وهو الآن يصرخ، لأن الزكاة لا تصل إليه وبالتالى ليس لديه وقت للتفكير فى العمل.
س. فى آخر زماننا ظهر لنا عفريت يسمى التليفزيون ينقل لنا الصوت والصورة فما شكله الآن؟
ج. تليفزيون إيه يا جدو يا ريتها كانت على قد كدة ده طلع بعده شيطان اسمه الفيديو ثم مارد اسمه الدِش والقمر الصناعى، ثم أتى إلينا إبليس الكبير فى صورة كمبيوتر وولده إنترنت فهلك بسببه من هلك ونجا منه من نجا!.
س. كنا فى زماننا يعرف الجار جاره ويشاركه أفراحه وأحزانه ولا يؤذيه وكانت شوارعنا وأهلنا تعيش فى أمان فهل أنتم على هذا العهد؟
ج. الجار الآن أصبح هو أول من يؤذى جاره ويتجسس عليه وينهش أعراضه ويتعدى عليه، وتجد الفرح ملاصق للمأتم!، أما عن الأمان فحدث ولا حرج، فالآن أصبحت النواصى لا تخلو من الشباب الماجن المستهتر الذى لا يحترم كبيراً ولا صغيرا وأطفال يحملون السلاح وفى نفس الوقت أصبحنا لا نعرف البنات من البنين!
س. ثم صرخوا كلهم فى وقت واحد وقالوا: "طيب قل لنا إنتم عايشين ليه وكيف؟!"
ج. ومن شدة حيرتى فى الإجابة على هذا السؤال لم أفق إلا وابنتى الصغيرة تعطينى ورقة بها طلبات المدرسين وقائمة بأسعار الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية وفى نفس الوقت ارتعد جسمى عندما سمعت صوت زوجتى كالرعد وهى تنادينى من المطبخ أن أنظر لمحصل النور، وأشوف الفاطورة بكام فأسرعت إلى غرفة النوم وأطفأت الأنوار وأخلدت فى نوم عميق بالعند فى محصل النور!.
