سامى عبد الجيد فرج يكتب: قلوبهم بلون عمائمهم

الجمعة، 14 أكتوبر 2011 01:34 م
سامى عبد الجيد فرج يكتب: قلوبهم بلون عمائمهم أهل النوبة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما تهب رياح الحرية، ويتنفس عبيرها المظلوم، تخرج من بين ضلوعه صيحات الألم والأمل بنفس القوة – وعندما تتحول الحرية إلى المطالبة بالحقوق المسكوت عنها، ووجود آذان صاغية وقلوب متفتحة وعقول لديها القدرة على إعادة الحق لأصحابه، يزول الألم مهما كان، وتلتئم الجراح رغم استفحالها، ليحل مكانها الأمل والمستقبل. وللأسف الشديد بعد الثورة تعالت صيحات الألم من فصيل مصرى صميم أغفلنا كتابة تاريخه وتعليمه لأبنائنا بصورة متعمدة، وكأن هناك سياسة متعمدة طوال السنوات السابقة فى طمس هوية أهل النوبة. تلك المشكلة التى أتحدى أن عرفها وعرف طبيعتها، وحدودها، عدد كبير من الشعب المصرى، بل ما يعرفونه إن كانوا من المهتمين من خلال الصحف الحكومية التى كان لها دور كبير فى التعتيم وتغييب الشعب المصرى عن بعض مشاكل أهله. ومهما قام الإعلام المرئى والمسموع والمقروء بطرح المشكلة النوبية بعكس واقعها الحقيقى.

وطالما هناك رجال شرفاء من أهلها يحاولون إحياء هذه المشكلة، فلا يمكن طمسها أبداً، بل وعندما يعرف الشعب حجم المعاناة النفسية، والوجدانية والحياتية، فسوف يقف الشعب كله بجانبهم تأييداً لعودة حقوقهم المسلوبة تحت مزاعم وهواجس فى عقول مريضة حكمت مصر طوال الفترات السابقة تخوف بعضنا من بعض وتخوين بعضنا للآخر. عندما تجلس مع أهل النوبة تجد فعلا قلوبهم بلون عمائهم، والتاريخ والحياة اليومية تثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك بأنهم أهل مروءة وأمانة وشرف. وأن طلباتهم ليست فيها أى مغالاة أو تشدد، بل ما يطلبونه ويسعون إليه يخلق نوعاً من الاستقرار التفسى والعاطفى من ناحية، ومن ناحية أخرى إضافة إلى الاقتصاد والناتج القومى بالزراعة والصناعة لأراضيهم ومنازلهم التى يطلبونها، وليست منحة من الحاكم، ولكن عوضا عن منازلهم وأراضيهم التى انتزعت منهم أيام التهجير وبناء السد العالى التى ضحوا من أجل بنائه بالغالى والرخيص بالمنزل والحقل، من أجل كل الشعب المصرى، الذى نسى فى زحمة الحياة تضحياتهم وقضيتهم.

رجالهم أهل حكمة وشبابهم مثقف واع متعلم – يجهز نفسه مهنيا ونفسيا للعودة للمشاركة بسواعدهم فى عملية البناء والزراعة، لم يستكينوا إلى حياة الرفاهية واعتدال الجو- بل مستعدون بكل طاقاتهم الإبداعية وسواعدهم القوية للعودة لمحاربة الطبيعة والظروف المناخية، حتى يعود لأهل النوبة جذورهم وأرضهم وانتماؤهم إلى الجزء الذى هو من الكل.. شباب يعلم الأسباب الحقيقية التى جعلت النظام طوال هذه السنوات يحاول طمس هويتهم، وهو الهاجس الأمنى، ومن الغريب أيضا أن جميع المشاريع الزراعية والصناعية بمحافظة أسوان لم يتم الاستعانة بأبناء النوبة بها – لكنهم استعانوا بعمالة قادمة من المحافظات الأخرى، وتفضيلهم على أصحاب الحق الشرعيين فى ثروات بلادهم ووطنهم الأم.

ولا أدرى لماذا هذا التناقض فى سياسة النظام السابق، وإننى لأشد خشية من أن تكون هذه السياسة هى نفس سياسة النظام الحالى، وما زال النظام يضع العراقيل ويصنع بهم الأفاعيل ضغطا حتى يتناسوا قضيتهم، ويرضوا بما هم فيه. إن الهاجس الأمنى وهو ما ردده بعض شباب أهل النوبه بأنه مصطنع ومن خيال الأنظمة المريضة، فمن الصعب والمحال أن يتحول أهل النوبة بمصريتهم الضاربة فى جذور التاريخ المصرى فجأة ليصبحوا جنوبا منقسما ومنفصلا عن مصر، يجب ألا يكون هناك خوف من أن يكونوا يوما مثل جنوب السودان، فهم نسيج مختلف حضاريا وفكريا وعلميا وإسلاميا عن غيرهم. هم أيضا منتشرون فى كل محافظات مصر مصاهرة ونسبا وأملاكا، وعنصر فاعل فى التنمية الاقتصادية فى المحافظات المختلفة فى ربوع مصر، هم فقط أيضا يقولون "لا تقسيم ولا تدويل"، ولكن العودة إلى أراضيهم حق أصيل، فهل هذا كثير.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة