د.عاصم الدسوقى

إلى متى الاستمرار فى ترديد مقولة «مصر المستهدفة» ؟!

الخميس، 13 أكتوبر 2011 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أسوأ التحليلات السياسية التى يرددها المسؤولون فى مصر ومعهم نفر من الكتاب فى أعقاب حوادث التخريب والفوضى، وخاصة تلك التى تتعلق بشبهة الفتنة الطائفية، القول: هناك أصابع أجنبية تعبث بالوحدة الوطنية، وإن مصر مستهدفة من قوى خارجية لا تريد لها الاستقرار، إلى غير ذلك من عبارات تعكس عدم دراية بحقيقة الأسباب الكامنة وراء ما يحدث، وبالتالى نفشل فى المواجهة فتتكرر الحوادث وتتكرر التصريحات وتتسع الدائرة المفرغة التى ندور فيها ولا نقدم حلولا تستأصل الداء، مع أن التفكير العلمى يقرر أن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما.. وأن أى تفكير خارج الزمان وخارج المكان هو تفكير خيالى لأنه يبحث عن أسباب خارجية لأحداث داخلية مع أن السبب يكمن فى الداخل.

وآخر الحوادث فى هذا الخصوص ما حدث أمام التليفزيون من متظاهرين أقباط وقفوا احتجاجا على عدم اتخاذ الحكومة خطوات صريحة بشأن أحداث كنيسة إدفو، واحتجاجا على موقف محافظ أسوان السلبى تجاه ما حدث، وهذا معناه فى بساطة ووضوح أن الحكومة لو قامت بإجراءات حاسمة فى القبض على المتسببين وتم تقديمهم لمحاكمة عاجلة ما حدثت وقفة ماسبيرو أو غيرها، وفى هذا تأكيد لمعنى أن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، أما أن نقول إن مصر مستهدفة، وأن هناك مؤامرات خارجية، فهذا كلام لا معنى له ولا يفسر شيئا.

صحيح أن مصر مستهدفة من الخارج للإيقاع بها حتى لا تقوم لها قومة وتظل فى إطار التبعية، لكننا نساعد هذا العامل الخارجى الذى يستثمر ما يمكن تسميته «مناخا طائفيا» قوامه المواقف السلبية التى يشعر معها الأقباط أنهم مهمشون وأن حقوقهم ضائعة وسط الأغلبية، وهو مناخ يتأجج يوما بعد يوم، وخاصة منذ الاستفتاء الشهير فى 19 مارس الماضى بشأن التعديلات الدستورية الذى جعل بعض المتشددين الإسلاميين يقول علنا إننا استلمنا البلد ومن لا يعجبه فليرحل إلى كندا أو أستراليا، وبسبب هذا المناخ الاستفزازى حاولت بعض القوى السياسية المواجهة منذ فترة أقربها ما حدث فى منتصف عام 2008 حين عقدت أحزاب الوفد والناصرى والتجمع والجبهة الديمقراطية مؤتمرا عن الوحدة الوطنية لمناقشة مظاهر التعصب الدينى فى البلاد والمطالبة بتحريم ممارسات التمييز الدينى، وتنقية مناهج التعليم مما يشجع على التعصب والكراهية، وإصدار قانون موحد لبناء دور العبادة، ومع ذلك لم تحدث استجابة، مما يؤكد أن المنهج الذى ظل سائدا قرابة الأربعين عاما لا يزال قائما، وبدلا من معالجة المواقف بما يمنع تكرارها نسارع بترديد مقولات المؤامرات والأصابع الخارجية.

فى أيدينا أن نمنع التدخل الخارجى وأن نقطع الأصابع العابثة لنحمى الوطن من مصير مظلم تنفث فيه الطائفية المقيتة سمومها القاتلة بكل ما تحمله من حقد وأنانية متبادلة، وما يصحبها من نفى وتهميش وإزاحة، وذلك بإقامة دولة قانون حقيقية تعمل على تحقيق التوازن الاجتماعى وتمنح الفرصة كاملة لمن يعطى الوطن من قدراته وخبراته وإخلاصه بصرف النظر عن دينه ومذهبه، وبهذا نحفظ للمصريين وحدتهم وتبقى مصر وطن الجميع، يحمونه بأرواحهم ويموتون فى سبيله، وليس بالأحضان والقبلات التى نتبادلها عقب كل أزمة طائفية، وليس بالتغنى بالوحدة الوطنية دون أن نعمل من أجلها.

يا سادة.. إن اللغز حويط، والحل بسيط، ويكمن فى توقيع العقوبة على من يخون الوحدة الوطنية لأنه يخون الوطن ويسعى إلى تفتيته، وإلا تحولنا إلى عراق آخر أو سودان آخر، ويحدث لنا ما حدث فيهما.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة