قبل يومين التقيت بمجموعة من الشباب البحرينيين ممن اختاروا القاهرة قبلة لهم أملا فى الوصول إلى جواب على سؤال ما زال يؤرقهم ذهنيا، وهو "لماذا غابت عنا مصر فى أزمتنا؟"، وما أن جلست معهم حتى شرحت لهم كيف أن مصر لم تغب عنهم أو عن أى قطر عربى يوما ما، لكن لكل دولة ظروفها الداخلية التى قد تجعلها تتقوقع داخليا لفترة قصيرة فى سبيل إعادة بناء ما تهدم من أركان فى الماضى، وهو ما حدث فى مصر بعد 25 يناير، فبناء مصر الحديثة جعلها بعيدة إلى حد ما عن قضايا العرب وأزماتهم وثوراتهم، وإن كان هذا البعد حكومى فقط، أما الشعب فلا زال يتفاعل كل ساعة.. بل كل لحظة مع ما يحدث لإخوانهم العرب.
بعدها انخرطت فى حديث مع الشباب البحرينى عن وضعهم الداخلى، ولاحظت مرارة فى حلق كل منهم مما يحدث فى بلدهم، فهم مجموعة من الشباب الباحثين عن التعايش السلمى بين كل البحرينيين، بل أن لدى بعضهم هدفا أسمى وهو القومية العربية، لكنهم على حد قولهم صدموا بما رأوه ويرونه كل يوم، فهم لا يرفضون بل من المنادين بضرورة وجود إصلاحات سياسية فى البحرين، لكنهم يبحثون عن إصلاحات تقرب ولا تفرق.. توحد ولا تقسم، إصلاحات حقيقية لا تحمل فى باطنها البعد الطائفى.. هم كما قالوا لا ينكرون لإخوانهم الشيعة حقهم فى المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية، لكنهم يريدون منهم أن يكون تفكيرهم بحرينيا ليس أكثر.
بداخل هؤلاء الشباب قصص وأحداث مازالت عالقة فى أذهانهم رغم مرور الأيام، فما أن يبدأ أحدهم فى الحديث حتى تكاد ترى الحزن يحرق قلبه، فهم لا يصدقون أن يأتى اليوم الذى يشار لأحدهم ويقال "هذا سنى" أو "هذا شيعى"، وإنما يريدون أن يقال عنهم هذا بحرينى عربى، بداخل كل منهم رسالة يريد إيصالها للجميع بأنهم لا يريدون ظلما لهم أو لأحد، وإنما يريدون العيش فى أمن واستقرار.
خالد على السردى، أحد هؤلاء الشباب، صاحب الواحد والعشرين ربيعا، هو سنى يدرس فى السنة الرابعة بكلية المعلمين بجامعة البحرين، قال لى إنه كان وما زال بعيدا عن السياسة، وأنه لم يعرف عنه يوما تأييده لأحد، ولم يغير خالد هذه العقيدة حتى بعد ما تعرض له فى الثالث عشر من مارس من هذا العام على يد من قال إنهم إخوانه الشيعة فى البحرين.
قصة خالد بدأت عندما خرج مجموعة من الطلاب البحرينيين المنتمين للمذهب الشيعى فى مظاهرات رافعة شعار "يا مجنس اطلع بره"، فى إشارة لرفضهم سياسة التجنيس لغير البحرينيين رغم أن كثيرا من الشيعة فى البحرين هم بالأساس من أصول إيرانية، المهم يقول خالد " فى 13 مارس كنت أقف على سطح الكلية ووقتها رأيت سيارات محملة بأشخاص من خارج الجامعة حاملين أسلحة، وبعدما حاصروا مبنى اللغة الإنجليزية الذى كنت أقف فوقه قاموا بتكسير جميع الأبواب والنوافذ، وتمكنوا من الصعود للسطح وعندها نظروا إلى ونعتونى بالمجنس والمرتزق، ثم هجموا على وانهالوا بالضرب حتى سقطت على الأرض ولم أستطع الحراك نتيجة الضرب المنهال على جسمى، وكانوا وقتها يسبونى لأنى من أصول عربية، وبعد فترة من الضرب المتواصل قال أحدهم " فلنرميه من فوق السطح"، وقال آخر "اخرجوا عينيه"، ولم يكن بوسعى وقتها إلا سماع ما يقولونه وترديد الشهادة فقط، ثم أمرونى بالقيام لأخذى إلى دوار اللؤلؤة الذى يتجمعون فيه، لكنى لم أستطع الوقوف فقاموا بسحبى وعندما وصلت إلى السلم رمونى لأسفل، وعندما وصلت لأسفل وجدت أشخاص آخريين ينهالون على بالضرب ويسبونى، وقاموا بعدها بوضعى فى سيارة الإسعاف بعدما رأوا الدماء تتطاير من كل جزء بجسمى، وعندما ركبت السيارة وجدت الممرضين يشتموننى وينعتونى أيضا بأنى مجنس عربى ومرتزق، وكانوا وقتها يريدون أخذى إلى مستشفى السليمانية لكننى رفضت وتوسلت إليهم أن يأخذونى للمستشفى العسكرى، لأنى أعلم أن السليمانية محتلة بأشخاص تابعين لهم، وتوقعت أن يقتلونى فى المستشفى، وعندما رأوا حالتى الصحية صعبة قرروا نقلى بالفعل إلى المستشفى العسكرى، وحينما وصلت إليها صرت فى غيبوبة طويلة، وعندما أفقت وجدت كسورا فى كل أجزاء جسمى".
يضيف خالد "إلى الآن وبعد 6 أشهر لم أسترد حقى ولم يرد إلى اعتبارى، حتى إننى لم أجد أى اهتمام خاصة من الجهات المعنية التى لم تطلبنى للتحقيق أو لسماع أقوالى إلا عندما ذهبت لأقدم شكوى حول ما أصابنى، وكلما ذهبت لمراجعة مركز الشرطة لا يعطونى أية معلومات".
الغريب فى قصة خالد التى لم أكن لأصدقها لولا أننى تأكدت منها من خلال فيديو لها على موقع يوتيوب، أنه بعد صبره على الاعتداء الجسدى فؤجئ باسمه ضمن قائمة موزعة على الانترنت تحمل اسم قائمة العار، جعلته معرضا لفقد حياته فى أى وقت، فتحولت حياته إلى جحيم استدعى تعيين طبيب نفسى من جانب جمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان لإخراجه من الصدمة النفسية والجسدية التى تعرض لها.
بجانب خالد جلس صديقه أسامة عبد النور الذى يحمل قصة شبيهة بقصة خالد، لكنه يختلف عنه فى أن حياته ما زالت معرضة للخطر، لأن اسمه وبياناته كاملة موجودة على الانترنت فى قائمة المطلوبين من جانب الطلاب الشيعة.
بعد سماعى لهاتين القصتين تأكدت بالفعل أن البحرين فى أزمة، وأزمة شديدة بالفعل، أزمة بلد تحتاج إلى إصلاحات سياسية واجتماعية، لكنها بالتوازى تحتاج إلى إيمان داخل كل بحرينى إنهم بحرينيون ولا يمثلون دولا أخرى.
عدد الردود 0
بواسطة:
طنطاوي
وما خفى كان أعظم
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد طالب
افيقوا يا عرب
عدد الردود 0
بواسطة:
@
شكرا
عدد الردود 0
بواسطة:
كلمة حق
يعطيك العافيه
عدد الردود 0
بواسطة:
محرقاوي
حقيقة