تمر هذه الأيام السنوية الثانية لرحيل الدكتور محمد السيد سعيد رحمه الله، نفسى كل الشعب يعرفه بجد. السبب أننى كنت جالسا مع مجموعة من شباب الثورة وسألتهم عنه فلم يتذكره أحد؟ قلت لنفسى معقولة واحد من صناع الثورة الحقيقيين لا أحد يعرفه. عارفين واقعة افتتاح معرض الكتاب فى 16 يناير 2005 عندما انتفض وحطم التابوت وقال لمبارك لا فى وجهه وبمنتهى الجرأة.. تعقيباً على كلامه بأن الزيادة السكانية تلتهم عوائد التنمية وطبعا وكالعادة جميع الحضور اللى بيقولوا عليهم النخبة أمنوا على حديث الرئيس وأثنوا عليه. الحكاية وما فيها إن الرئيس المخلوع كان بيجتمع مع ما يسمى بالنخبة من المفكرين والمثقفين التابعين والمؤيدين له أو الذين اعتادوا على انتقاد النظام ولكنهم أمامه كانوا يسألون بحياء العذارى عن القضايا التى تشغلهم ثم يصمتون بعد إجاباته المقتضبة والنمطية والعبيطة عملا بالمثل الصينى "اللى يأكل بالخمسة يصفق بالعشرة". أما البطل الدكتور محمد قال له: ما تقوله خطأ وبدت علامات الدهشة على المخلوع. فكرر الدكتور محمد كلامه قائلا: "إن الناس المحيطة بك تضللك بكلام خطأ وغير مدروس ولو أن حديثك صحيح لما كان للصين كل هذا الاحترام من جانب أمريكا وأوروبا وتعدادها مليار و400 مليون نسمة، ولما اكتسحت صناعتها الأسواق الأوروبية والأمريكية والعربية. كمان قال له: أنا لدى تصور يمكننى تقديمه لسيادتك فى ورقة مكتوبة عن إصلاح سياسى ودستورى. فكان رد الرئيس السابق كالعادة غبى وعبيط، "الورقة دى حطها فى.. جيبك.. وأنت متطرف وعلى فكرة بقى أنا بافهم أحسن منك".
ومن ساعتها بدأت شرارة الثورة وشعرت القوى الوطنية أن من يحكمها نخبة فاسدة. الدليل أنه فى اليوم التالى بدأنا نسمع مظاهرات فى الجامعة ولم يكن هذا يحدث من قبل وكأنها الصخرة التى حركت الماء الراكد.. وظهرت حركات كفاية وشايفنكو والشموع السوداء.. وتوالت الحركات التى تعبر عن عدم الرضاء والرفض لما يحدث فى البلاد عارفين ليه؟ لأن مبارك كشف نفسه واتفضح لأننا طول الوقت إذا وقعت أى مشكلة كان يتم اللجوء للرئيس ويتم وصفه بالرئيس الإنسان العطوف والكريم وكأن المسئولين غير قادرين على القيام بأى عمل أو اتخاذ أى قرار. الحوار الذى دار مع الدكتور سعيد جرس الرئيس السابق وفضح فكرة الحاكم المطلق، وأن مبارك السبب فى كل المشاكل التى نعانى منها وأنه شخصية ديكتاتورية بغيضة.
شوف يا صاحبى لما اقولك الدكتور سعيد.. فجر الثورة قبل أن يخرج الملايين ليعلنوا نهاية عصر مبارك وأنه واحد من قليلين قالوا للمستبد أنت مستبد فى وجهه وليس من وراء حجاب. الجميل والدرس المستفاد أن البطل كان مؤمناً بأن ما يفعله أمر طبيعى وعادى لمثقف يرغب فى إصلاح أحوال بلاده. الدليل أنه لم يتاجر مثل آخرين بهذه الواقعة، ولم يستغل تعرضه للتعذيب الوحشى عام 1989 إثر تضامنه مع إضراب عمال الحديد والصلب، ولم يستثمر أياً من الحادثتين ليجنى احتراماً أو إعجاباً بشجاعة امتلكها حقاً ودفع ثمنها حتى النهاية.
ده جزء من حكاية مثقف تكشف أننا معندناش نخبة مثقفة بجد من أمثال جمال حمدان وفتحى عامر وأحمد مستجير والمسيرى وصلاح الدين حافظ ومجدى مهنا وكثيرين كانوا يحملون داخلهم إحباطات جيل بأكمله، وفى ذات الوقت، أحلامه. هؤلاء عرفوا أن العمر لا يقاس بعدد السنوات، ولكنه بالقدرة على ترك بصمة وأثر، وهم شخصيات على قدر كبير جدا من الكفاءة والاحترام. المشكلة أن ظهروا وقت سيادة مبدأ الولاء قبل الكفاءة وسيطرة أهل الثقة والمحسوبية اللى أطاحوا بكل صاحب فكر مهما كان انتماؤه. علشان كده أحنا محتاجين أن نتعلم ممن يعطون المثل لا من يعطون الأوامر.. وكما قال البطل الدكتور محمد السيد سعيد "النهاية واحدة سواء جاءت مبكراً أو تأخر موعدها كلنا سنموت، وفى النهاية علينا أن نفكر فيما سنتركه من قيمة".. ألف رحمة عليك يا بطل.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد كمال
رحمة الله عليه
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد فتح الله
حقاً بطل...
عدد الردود 0
بواسطة:
سما
انت تقصد لم يعرفه احد من الثوار
لان كفايه عليه البردعى