معصوم مرزوق

هل تجوع «الحرة»؟

السبت، 01 أكتوبر 2011 03:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اختلفت الآراء حول «المعونات»، التى تقدمها أمريكا لبعض منظمات المجتمع المدنى المصرية، ووصل البعض إلى حد اتهام هذه المنظمات بالخيانة والعمالة، وبضرورة تأليب الرأى العام ضدها وتطبيق قانون الطوارئ ضد أعضائها باعتبارهم يمارسون نوعاً من البلطجة مدفوعة الأجر بالدولار.

والحقيقة أنه ليس كل ما هو أمريكى ضار بالضرورة، وليس كل ضرر مصدره أمريكا، ومثال على ذلك أن أغلب علية القوم لدى القبيلة العربية الممتدة يتباهون بالسيارات الأمريكية الفارهة، ويلتهمون ملايين من ساندويتشات الهامبورجر ويتجرعون ملايين اللترات من البيبسى كولا، ويلهثون خلف المنتج الأمريكى أياً كان باختصار.. كل ذلك دون عقد أو حساسيات.

بل إننى أزيد على ذلك نوعاً آخر من المنتجات لا نشتريه ولا نطالب به، ولكننا اعتدنا عليه حيث يوزع علينا بالمجان، وأعنى هدايا قنابل الفانتوم العنقودية، وصواريخ الأباتشى، بل إن بعض الأراضى العربية كانت مسرحاً لتجربة بعض أنواع جديدة من السلاح الأمريكى، التى لم تستخدم من قبل، وكان للإنسان العربى شرف أنه كان أول ضحاياها.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، فهناك هدايا دبلوماسية وسياسية لا ينكرها غير جاحد، وهذه الهدايا يطول الحديث عنها، ولكن خير مثال لها هو ذلك الجهد الخلاق لتحقيق السلام فى المنطقة، والذى تمخض عن وصف «نتن ياهو» بأنه رجل سلام، وعن احتلال دولة عربية أخرى.

وقد يفهم البعض - المغرض - أن هذه المقدمة وراءها ما وراءها، وأن المقصود هو عكس المنطوق بشأن تلك المنظمات المدنية، التى تتكاثر بسرعة الخلايا السرطانية، ولكننى أؤكد أننى أرجو عدم التعجل فى الحكم عليها، وعندى لذلك أسباب كثيرة: فهذه المنظمات تحمل الجنسية المصرية، ولكى تنجح أنشطتها فيجب أن يقوم بها مصريون مميزون أى خلاصة الثقافة والوعى واللباقة، وافتراض السوء فى هؤلاء قبل تمحيص ما يقومون به يتساوى مع افتراض السوء فى كل من ركب سيارة أمريكية الصنع أو أرتدى سروال راعى البقر.

وقد لا تكون المسألة بالضبط كما صورتها، لأن مالك السيارة هو الذى يشترى من حر ماله، وهو بذلك حر فى اختياره، أما أعضاء ذلك النوع من المنظمات فلا يملكون فيها مقعداً، بل إنهم جزء من مكوناتها يتقاضون راتباً قد يحسدون عليه، ولكن ألا يمكن أن يختلف الشكل عن المضمون؟.. قد يكون الشكل أمريكانياً والمضمون مصرياً، قد تكون الحقيقة هى أن الأمريكان «قد اشتروا الترماى» - كما تقول النكتة المصرية الشهيرة - أى أنهم ظنوا أن الرواتب، التى سيغدقون بها على المستخدمين المصريين سوف تنزع عنهم عروبتهم أو مشاعرهم، خاصة أنهم أبناء ثقافة تدعى أن «الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها». وأصارحكم القول بأننى وجدت فى عقلى وقلبى ميلاً إلى ذلك التصور، خاصة أننى تابعت أنشطة بعض هذه المنظمات، ووجدت فيها طاقة شبابية خلاقة تحمل هموم وأحلام الوطن، ولذلك لم أستبعد أن المنظمات الأهلية، التى تمولها الأموال الأمريكية لن تتبنى بالضرورة وجهة نظر أصحاب المال والدكان.

وهذا كله كلام جميل، يجب أن نصدقه فليس لنا أن نحكم على النوايا، فلكل امرئ ما نوى.. ولكن المشكلة، التى لا مفر منها هى أن معيار الحكم على السلوك هو الفعل وليس القول، أو بمعنى آخر يتردد على ألسنة أهل البلد الطيبين: «أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب».. وهى مشكلة كؤود تؤثر على كل أصدقاء وأحباء أمريكا، خاصة فى عالمنا العربى السعيد، لذلك تجدهم دائماً حائرين فى البحث عن الحجج، التى تفسر وتوضح سياسات «أباهم الذى فى البيت الأبيض».. فمن المؤكد أن المسألة لا يمكن قصرها على الكلام، مجرد الكلام، فقد شبعنا كلاما. ومع كل هذا فلا زلت أريد أن أصدق هؤلاء الشباب المثقفين الذين أطلوا بطلعتهم البهية من كل الفضائيات، ولا أوافق على ما قاله البعض من أنهم يشبهون ثوار العراق الذين دخلوا بغداد على ظهر الدبابات الأمريكية، وربما يكون المطلوب منهم بالفعل تجميل وجه السياسة الأمريكية فى المنطقة، ولا أرى غباراً فى هذا وإن كنت أشك فى مقدرة أعظم خبراء التجميل فى هذه المهمة، وذلك لسبب بسيط هو أنه إذا اكتشف الناس أنهم مجرد بوق دعائى أو مجموعة من مساحيق التجميل فإنهم - ببساطة - سوف ينصرفون عنهم ويسقطونهم من حسابات المرحلة المقبلة.

هذا مع العلم أن أمريكا لم تدخل منطقتنا بالدبابات والمقاتلات وآلاف القوات فقط، وإنما هى ترسل وحدات أخرى لشن حروب أخرى ناعمة، مثل بعض وسائل الإعلام ومنظمات أهلية بريئة، تطلقها فى سمائنا العربية الملبدة بالغيوم، كى تقذف قنابلها العنقودية، التى تتناثر فى كل اتجاه، ورغم أن قائد الطائرة فى هذه الحالة يتحدث بالعربية فإن التوجيه والتمويل يأتيه من واشنطن، فهل يمكن للقائد أن يقود طائرته عكس الاتجاه، هل.. هل تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها..؟.. هذا هو ما ستثبته الأيام.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

نعم هذا التمويل مشبوه طالما أنه يتم سرا

عدد الردود 0

بواسطة:

العنود من السعودية

لماذا أحس أنك خائف...من توجيه اللوم والعتاب..؟!

عدد الردود 0

بواسطة:

ايهاب

الحداية ما بتحدفش كتاكيت

عدد الردود 0

بواسطة:

معصوم

توضيح !

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة