قطب العربى

صحافة يناير المثقلة بالهموم

السبت، 01 أكتوبر 2011 09:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد مرور ثمانية أشهر على ثورة يناير المجيدة، خطت الصحافة المصرية خطوات لا بأس بها إلى الأمام، وإن كانت فى الوقت ذاته لا تزال تعانى بعض تبعات الماضى، سواء على مستوى المهنة أو حتى رجالها، وهو ما يستوجب تسريع الخطى للتخلص من هذه التبعات حتى تستعيد الصحافة مصداقيتها بشكل تام لدى عموم الشعب.

ها هى أرقام مبيعات الصحف المصرية قومية وحزبية وخاصة ترتفع إلى مستويات جديدة، وها هى الإصدارات الجديدة تتوالى ومعظمها من الإصدارات اليومية التى تحتاج إلى رأس مال أكبر، والتى تتيح فرص عمل أكبر، وفى الوقت ذاته تتيح مزيدا من التنوع أمام القارئ.

لم يعد إصدار الصحف بحاجة إلى موافقة أمن الدولة، كما كان من قبل، وهى الموافقة التى كانت تحتاج إلى صفقات خاصة قبل نيلها، لتحديد الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء، وما أكثر طلبات التأسيس التى ظلت حبيسة الأدراج بسبب الرفض الأمنى ولم يحررها سوى ثورة يناير.

لم يستغل الصحفيون المصريون ظروف الاضطراب السياسى بعد الثورة ليطالبوا بحقوقهم التى حرمهم منها نظام مبارك، لم يلجأوا إلى الاعتصامات والإضرابات وهم الذين استضافوا على سلم نقابتهم وفى قاعات نقابتهم المئات منها، لكنهم أثروا التريث حتى تستقر الأوضاع ويصبح لدينا مجلس نيابى منتخب وحكومة منتخبة ورئيس منتخب، ساعتها سنطالب بكل حقوقنا السليبة، وسنحصل عليها بشكل قانونى.
الصحافة والصحفيون هم مرآة المجتمع، التى يرى التطورات من خلالها، وهم رئته التى يتنفس منها، وحتى يؤدون عملهم فى تنوير المجتمع، ورفده بالأخبار والتحقيقات والحوارات مع صناع القرار وقادة الرأى هم بحاجة إلى بيئة عمل مناسبة تمكنهم من أداء هذا الدور على الوجه الأكمل، وأول هذه المتطلبات هو الأجر العادل، وقد لا يعرف الكثيرون أن راتب الصحفى يأتى فى المرتبة الثلاثين فى جدول الرواتب فى مصر الآن، تسبقهم العديد من الفئات، وقد يسمع الكثيرون عن بعض الأرقام الفلكية التى يتقاضاها بعض الصحفيين فيتصورون أن الجميع يتقاضى هكذا رواتب، ويتغافل الكثيرون أيضا أن مصروفات الصحفى تمثل أضعاف غيره من الفئات، ألا ترون الصحفيين هم الأكثر استخداما للهواتف الأرضية والمتحركة والإنترنت، وأن فواتيرهم تمثل أضعاف غيرهم؟ ألا ترون أنهم الأكثر استخداما لوسائل المواصلات العامة والخاصة وتمثل تكاليف تنقلاتهم أيضا أضعاف غيرهم، ولا ننسى تكاليف المظهر والملبس والأجهزة الإلكترونية، وكل ذلك يقتضى أجراً يفى بكل هذه الالتزامات، ويحقق للصحفيين حد الكفاية الذى يعصمهم من الذلل، وإذا كان القضاء قد أصدر حكماً بتحديد الحد الأدنى للأجور بـ 1200 جنيه، فلك أن تتخيل الحد الأدنى المطلوب للصحفى فى ظل التزاماته السابقة.

تحتاج مهنة الصحافة إلى تشريعات حديثة تواكب ثورة يناير وتستلهم روحها، تشريعات تخلو من العقوبات السالبة للحرية، ومن النصوص المقيدة لتدفق المعومات، فالمجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير لم يعد يحتمل أى قيود على المعلومات والأخبار، ولم يعد يقبل أن تكون صحافته مجرد بوق لسلطة أيا كانت، ويأبى إلا أن تكون صحافته التى ينفق عليها دافع الضرائب هى لسان حال الشعب، تنقل أوجاعه، وتنشر أفراحه، وتنير طريقه، وتقف لحكامه بالمرصاد.

يريد الشعب إذن استعادة صحافته، وعندها ستستعيد الصحافة هيبتها وكرامتها التى مرغها فى التراب الحكم العسكرى منذ 1952، ساعتها ستعود لكارنيه نقابة الصحفيين هيبته وتقديره لدى الحاكم والمحكوم، ساعتها ستتحول جملة "كلام جرايد" إلى معنى إيجابى، أى أنه سيكون كلاماً مصدقاًَ وموثقاً بعد أن كانت تعنى أنه كلام غير موثوق، ساعتها سيشعر أى مسئول أن أى شكوى ينشرها مواطن فى صحيفة لا بد أن تجد طريقها فوراً إلى الحل قبل أن يحال هذا المسئول نفسه للتحقيق أو ربما الاستيداع، وسيشعر المواطن أن له سنداً قوياً فى صحافته يلجأ إليه كلما واجهته أزمة.

وحتى تستعيد الصحافة هيبتها واحترامها عليها أن تلتزم بالموضوعية فى نشر الأخبار والتحقيقات، وأن تعطى لكل ذى حق حقه، وأن يلتزم الصحفيون بميثاق الشرف الصحفى، وأن يكونوا خير معبر عن الثورة وطموحاتها، وعن البسطاء والمحرومين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، يقولون للمحسن أحسنت وللمسىء أسأت ولا تأخذهم فى الله لومة لائم، عندها سيكون الشعب هو الحامى لحمى الصحافة والرافض لأى عدوان عليها.

وبما أننا فى موسم انتخابى لنقابة الصحفيين، فإن هذه النقابة العفية التى استعصت على كل محاولات التطويع من قبل، والتى كان آخرها المحاولة الفاشلة لمنع الاعتصامات والمظاهرات على سلالمها فى آخر انتخابات للنقيب قبل سنتين، ستكون دوماًَ نصيراً ومنبراً لكل المظلومين، وستستمر منبراً للرأى والرأى الآخر، وملهماً لغيرها من النقابات فى التنوع والحيوية.

حين كان النظام السابق يريد تمرير أحد مرشحيه لمنصب النقيب كان الصحفيون يجبرونه على دفع ثمن غالٍ مقابل ذلك، هذا الثمن الذى كان يأتى فى شكل منح حكومية بملايين الجنيهات لتغطية بعض العجوزات وزيادة البدلات، هذا الثمن هو فى الحقيقة حق مشروع مسلوب من الصحفيين، إذ إن النقابة من حقها الحصول على نسبة معقولة من ضريبة التمغة الصحفية التى تحصلها وزارة المالية على الإعلانات فى الصحف، لكن الحكومات السابقة كانت ترفض صرف هذه النسبة المعقولة حتى تظل أيدى النقابة ممدودة، وفى العهد الجديد لن تمد النقابة يدها للتسول من أحد، بل ستناضل للحصول على حقوقها المشروعة بالطرق القانونية، وساعتها سيحافظ الصحفيون على كل مكتسباتهم، بل سيتمكنون من تحسين العديد من الخدمات التى تؤديها لهم نقابتهم مثل خدمة العلاج والتكافل والمعاشات والمصايف وحتى بدل التدريب إلخ.
يحتاج النضال القانونى لاستعادة هيبة الصحافة وحقوق الصحفيين إلى مجلس قوى، قادر على إدارة حوار متكافئ مع الأطراف المختلفة، وقادر على استغلال كل ما لديه من أوراق ضغط لانتزاع الحقوق المشروعة، وأعتقد أننا سنكون قادرين خلال فترة وجيزة على تعديل العديد من التشريعات سيئة السمعة التى خلفها لنا النظام المخلوع بفضل ما يتمتع به الصحفيون من علاقات جيدة مع النواب المحتملين فى مجلسى الشعب والشورى المقبلين، والذين سيأتون عبر انتخابات نزيهة وليس عبر عمليات التزوير والتزييف، وساعتها سيفرح الصحفيون بل كل المصريين.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة