أيها الناس.. شئتم أم أبيتم ستستمعون لى، قبلتم أم رفضتم ستدخل كلماتى فى آذانكم رغم أنوفكم، فأنا أتحدث من داخلكم، أوجدنى خالقى داخل صدر كل منكم، أسكن تحت ضلوعه، وأتغذى من دمه، وأتحكم فى أعصابه، وتمر على كلماته قبل أن ينطق بها، اسمى هو اسمه، وشكلى هو شكله، ومصيرى مصيره، متى دعوته استجاب لى، وكلما وسوست له أطاعنى، وحيثما أردته أن يذهب فى معصية صاحبنى، وكيفما دفعته أن يتصرف فى شر أرضانى.
أيها الناس لا تنكروا سطوتى عليكم فأنا الذى صنعتكم، أو لست - ولى الفخر- من أغوى أباكم آدم وأغراه؟ أو لست من أقسم على رب العزة أن أغوينكم أجمعين؟ وأن أقعدن لكم صراط الله المستقيم؟
غايتى أن تأكلوا جميعا من شجرة الخلد التى أغريت آدم بالأكل منها، هل تعلمون؟ هذه الشجرة هى سر حياتى، فمن يأكل منها ينعم بالخلد.. ألا تفهمون؟ كيف يخلد الإنسان إلا على حساب أخيه؟ كيف يثرى الغنى إلا على حساب الفقير؟ كيف يسرق من سرق إلا من المسروق؟ كيف يكون قتلٌ إلا بقاتلٍ ومقتول؟ كيف يكون حاكم ظالم إلا بشعب مظلوم؟ كيف تخترع الأساطير إلا بوحى منى؟ ألم يقولوا حين سرقوا الأوطان: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض؟.
إن كل الموبقات التى ترتكبونها، وكل المسروقات التى تستحلونها، وكل الأرواح التى تزهقونها، والكلمات الخبيثة التى تنطقونها، وكل المعاصى التى تقترفونها، والدمارات التى تحدثونها، هى ثمار شجرة الخلد، التى أكلتم منها فاستطبتم مذاقها، وأعجبكم لونها وحسنها، وطلبتم الخلد من بعد أكلها.
أيها الناس.. ألا ترون الحروب تشتعل فى كل مكان من الأرض! أنا الذى أشعِلها بأيديكم. ألا ترون الدماء تروى كل بقعة من الأرض! أنا الذى أريقها بأيديكم. ألا ترون الصواريخ والقنابل والأسلحة تحصد الأرواح فى كل مكان! أنا الذى صنعتها واشتريتها وحصدت ملايين الأرواح بها بأيديكم. ألا ترون الأرض قد فسدت برا وبحرا وجوا! أنا الذى أفسدتها بأيديكم.
ألا ترون الظلم يحيق بكم من حكامكم! أنا الذى زينت لهم الظلم وزينت لكم الطاعة والخضوع لهم، فظلموكم بأيديكم. ألا ترون ما أنتم فيه من ضعف وتشرذم وخنوع وجبن وفتن! أنا الذى أضعفتكم وقسمتكم ورسمت حدود بلادكم بأيديكم. ألا ترون الأرض ضاعت، والأطفال جاعت، ومسجد الله الأقصى يناديكم! أنا الذى ضيعتها وجوعتهم وصممت آذانكم بأيديكم.
ألا ترون الدمار يحيق بكل شىء والخراب يحاصر كل ركن من الأرض! أنا الذى خربتها ودمرتها بأيديكم. ألا ترون الجوع يسحق سكان البلاد، والأمراض تفتك بالعباد، أنا الذى سحقتهم وفتكت بهم بأيديكم. ألا ترون الكذب والنفاق والرشوة والسرقة والنهب والزنا! أنا الذى أشعت الفحش بينكم وحببته إليكم بأيديكم. أنا الذى أسكن داخل كل نفس واحد فيكم.
أيها الناس.. أنا من دواخلكم أناديكم اسمعونى.. أطيعونى.. اتبعونى.. فأنا على شجرة الخلد سأدلكم، ولكنى يوم القيامة سأتبرأ منكم وأقول له: يا رب.. دعوتهم فاستجابوا لى.. فلا تلومونى، ولوموا أنفسكم، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخى. يا رب.. كنتُ فى الدنيا سلطانا عليهم، إلا عبادك منهم المخلصين.
والله من وراء القصد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة