كان الله فى عون الرئيس السودانى عمر البشير، فاليوم هو رئيس على دولة مترامية الأطراف، وتعد أكبر دولة عربية وأفريقية فى المساحة، وغداً سيفقد جزءاً هاماً من هذه الدولة بعدما ينفصل الجنوب فى دولة مستقلة، بعد أن حسم الجنوبيون أمرهم قبل أن يذهبوا اليوم الأحد إلى صناديق الاستفتاء على تقرير مصيرهم.. فالنية فى الانفصال عن دولة السودان مبيتة منذ أن اعتلى من يطلق عليهم الانفصاليون سدة الحكم فى الحركة الشعبية لتحرير السودان، فى أعقاب الوفاة المفاجئة لقائد الحركة الراحل جون قرنق فى حادث الطائرة الشهير.
دولة جديدة طابعها الأفريقى هو الغالب، ولا وجود للطابع العربى، هذا هو الهدف الذى سعى إليه البعض لخلق توتر جديد فى دولة عربية مترامية الإطراف وهى السودان.. فدولة الجنوب أيا كان مسماها بعد الانفصال الرسمى لن تكون أبدا جزءا من المنظومة العربية المسماة بجامعة الدول العربية، وإنما ستكون أداة لمناكفة العرب فى كل شىء، حتى فى حدود أمنهم القومى.. فاللاعبون فى الدولة الوليدة كثر والأهداف أكثر.. وكل لاعب فى جنوب السودان يضع نصب عينيه تحقيق مصالح خاصة به.. ونحن فى المقابل كعرب تائهين لم نحدد بعد طريقة مثلى للتعاطى مع الدولة الوليدة، باستثناء مصر وليبيا من حالة التيه العربى، وتحديدا مصر التى شعرت منذ فترة بخطورة الوضع وبدأت فى التحذير من خطورة الانفصال واستعملت علاقاتها بشريكى الحكم فى السودان لتوضيح الصورة لهما، لكنها لم تشأ أن تضغط على أى منهما، لأنها من أصحاب مبدأ رفض التدخل فى أى شأن داخلى للدول.
أصحاب المصلحة فى انفصال الجنوب كثيرون، منهم قوى غربية مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم كثيرون ومن بينهم بالتأكيد إسرائيل التى لن أتحدث هنا عن دورها فى الدفع نحو توتير الوضع فى السودان وصولا لانفصال الجنوب، فهو دور تحدث عنه الكثيرون، لدرجة أنه ألهاهم عن الأدوار الإقليمية الأخرى التى لم تقل خطورة عن الدور الإسرائيلى، بل إن هناك دولة إقليمية كانت بمثابة الجسر للوصول الإسرائيلى إلى جنوب السودان، وأذكر هنا تحديدا أوغندا التى حاولت إرضاء واشنطن فى من خلال بوابة السودان لكى تفوز بدور الشرطى الأمريكى فى منطقة شرق أفريقيا، وفتحت أبوابها للقاءات سرية جمعت قيادات الحركة الشعبية مع قوى أجنبية أخرى، ومنها شخصيات إسرائيلية بالإضافة إلى لقاءات أخرى بين الجنوبيين وقيادات من حركات التمرد الدارفورية فى محاولة للضغط على الخرطوم من كل جانب، لتحقيق مكاسب جنوبية فى أرض معركة التفاوض.
أوغندا التى استضافت فى 14 مايو الماضى بمدينة عنتيبى الاجتماع المشبوه لبعض دول حوض النيل والذى انتهى بالتوقيع على اتفاق إطارى يعدل من الحقوق التاريخية لمصر والسودان فى مياه النيل، وهو الاتفاق الذى لم يحظَ بالصيغة القانونية حتى الآن ولن يحظى بها لرفض دولتى الكونغو الديمقراطية وبوروندى التوقيع عليه، رأت فى انفصال جنوب السودان فى دولة مستقلة تحقيق مصلحة خاصة بها، وهى مصلحة متعددة الاتجاهات، أهمها الاتجاه الأمنى، فأوغندا تريد أن تنشئ دولة جديدة فى المنطقة تكون موالية لها فى كافة التوجهات، بالإضافة إلى أن تساعدها هذه الدولة فى القضاء على حركة جيش الرب المناوئة للنظام الأوغندى وهى الحركة الموجودة على الحدود السودانية الأوغندية من جهة الجنوب، وبالتالى تحركت أوغندا ودعمت الجنوبيين للسيطرة على هذه المنطقة الهامة بالنسبة لها.
فأوغندا رغم صغر حجمها ومع ما تعانيه من مشاكل داخلية استطاعت أن تنفذ فى جنوب السودان لتحقق ما تريده، بينما وقفت جامعة الدول العربية على سبيل المثال مكتوفة الأيدى إمام المشهد السودانى، واكتفت بمؤتمر لدعم الاقتصاد فى جنوب السودان، واعتبرته فاتحة عربية مجيدة لإعادة الجنوبيين إلى حضن العرب دون أن تدرى أن الجنوبيين لا ينفع معهم الشو الإعلامى، وأنهم يحتاجون للمساعدة الفعلية أكثر من احتياجهم لزيارات ميدانية لا تعود بالنفع سوى على من قام بها لكى يظهر أمام الكاميرات بدور المناضل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة