الصدفة هى التى قادتنى إلى مشاهدة فيلمين للمخرج المبدع داود عبد السيد فى نفس الأسبوع، الأول كان فيلم «مواطن ومخبر وحرامى» والذى عرض على شاشة نايل سينما، والثانى «رسائل البحر» والذى عرض حصريا ولأول مرة على شاشة روتانا. وللأسف تعرض الفيلمان لعملية ذبح حقيقية، ويبدو أنه لا يوجد فرق بين قناة فضائية عربية برأس مال خليجى أو مصرية، وكثيرا ما كنا نعلن غضبنا وأسفنا على الإبداع المصرى الذى يتعرض لمقص الرقيب فى هذه القنوات العربية بلا رحمة أو هوادة، ولكن يبدو أن الفرق ليس كبيرا فالعقلية واحدة والتراجع الذى تشهده المجتمعات العربية بات متقاربا.
أقول ذلك وأنا أشعر بأسى شديد نظرا للتشويه غير الواعى للعملين وإذا كان البعض منا قد أتيح له مشاهدة فيلم رسائل البحر فى دور العرض، واستمتع بالحالة الفنية والفكرية للعمل شديد التميز والذى أعتبره أيقونة السينما المصرية فى عام 2010، فإن الكثير من المشاهدين والذين كانوا يشاهدون الفيلم للمرة الأولى لم يفهموا شيئا.
وأدى حذف المشاهد إلى ظهور الكثير من الأحداث مبتورة، بل حُذف خط درامى كامل من فيلم « رسائل البحر»، ولم أستطع استكمال مشاهدة العمل إلى النهاية وهو على هذا الشكل، لأن ما حدث للفيلم جريمة بكل معنى الكلمة، وأشفقت كثيرا على المخرج الكبير داود عبد السيد والذى بالتأكيد كان يعانى وهو يشاهد فيلمه يعرض بهذه الحالة، وأتوقع أنه لم يقم باستكمال مشاهدة الفيلم، فهو بالتأكيد قد توقع أن يتم حذف لقطة وليس مشاهد بأكملها، ولا أعرف لماذا لا تعرف هذه القنوات حتى الآن فكرة أن الفيلم يعرض للكبار فقط، وأن يوضع تحذير بأنه غير ملائم للأطفال، وعلى الأسر أن تتولى مسؤولية أطفالها بعيدا عن تشويه الأفلام إلى هذه الدرجة، وهو نظام متبع فى العديد من القنوات المخصصة لعرض الأفلام الأجنبية، أو أضعف الإيمان يتم تخفيف مشاهد بعينها تحت إشراف المخرج بعيدا عن هلهلة الأفلام، والإساءة لمبدعيها إلى هذه الدرجة، وهو ما يطرح تساؤلا عن دور النقابات الفنية فى حماية حقوق هؤلاء المبدعين من فنانين وفنيين تتعرض أعمالهم إلى التشويه الكامل، وأين حق الجمهور فى أن يرى عملا سينمائيا كاملا؟
وإذا لم تكن هذه القنوات تملك شجاعة عرض أفلام من نوعية «رسائل البحر» أو «مواطن ومخبر وحرامى» أو «الكيت كات» وغيرها من الإبداعات السينمائية، وحتى الأفلام التى تحمل بعدا تجاريا، ويتم حذف مشاهد قد يراها البعض جريئة فلماذا تعرضها من الأساس؟
حديثى عن هذه القضية يتزامن مع الأحداث السياسية المتصاعدة والأزمات المعيشية الطاحنة، فتشويه الإبداع لا يختلف كثيرا عن تشويه العقول، وإهانات «البنى آدمين» وعدم احترام آدميتهم وبشاعة صور أحداث الإسكندرية، وكنيسة سيدى بشر، ومقتل أكثر من 21 بنى آدم أصر أنهم بنى آدمين وليسوا مسيحيين ومسلمين، وإذا كنا نستهين بالإبداع والذى هو المقياس الحقيقى لتحضر البشر، فمن الطبيعى أن نستهين بحياة الإنسان ونزداد عنصرية وتطرفا. > >
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة