منذ أن وقع حادث الإسكندرية، وبعض الصحف الخاصة تخرج علينا كل صباح بعناوين مثيرة تتصدر صفحاتها الأولى عن تحريات اليوم.. فمرة رأس مجهول لفتى من الدلتا وقدمين لآخر من الصعيد وأربعة أشخاص مشتبه بهم وخمسة فى جريدة أخرى وثالثة تنفرد بشاهد عيان رأى الحادث حتى قبل وقوعه.
ووصل الأمر إلى تفاخر بعض الجرائد بأنها صاحبة السبق فى كشف غموض الحادث، وأن وزارة الداخلية تشيد بها فى هذا المضمار.
ورغم أن الجميع يعلم وأولهم محررو تلك التحريات الإعلامية، أن الهدف من ذلك النشر هو زيادة مبيعات الجريدة لا أكثر ولا أقل فأجهزة الأمن والنيابة العامة لا تتعامل مع المعلومات والتحريات باليوم وبنظام القطعة حسبما ينشرون وإنما كوحدة واحدة يتم التحقق منها وتحليل معلوماتها ثم استنباط الحقائق بأسلوب علمى مؤيد بالدليل الفنى أما النشر بهذا الأسلوب وكأنها قصة بوليسية مصورة على طريقة البقية العدد القادم فهو أمر لا يليق أبدا بهذا الحادث الجلل الذى مزق قلوب المصريين جميعا، كما أن الإصرار على النشر بهذه الطريقة يخلق بلبلة لدى المواطن الذى انشغل بالحادث بصورة غير مسبوقة لا رغبة فى معرفة أخبار مرتكبيه بقدر ما هو خوف على بلده وجزع على إخوانه فى وطن واحد ملكا للجميع دون تفرقة أو مسميات دخيلة علينا من نوعية.. الجانبان.. أو نحن وهم .. إلخ
فالدين لله والوطن للجميع
إن من يقرأ ثلاث صحف يومية بغض النظر عن هويتها سيجد نفسه فى متاهة من جراء التحريات الإعلامية التى باشرها المحررون وسيقوده ذلك الإحساس بالضرورة إلى اهتزاز ثقته فى أجهزة تواصل الليل بالنهار لكشف غموض الحادث وهوية مرتكبيه وهى فى ذلك الأمر شأنها شأن جميع الأجهزة المماثلة فى دول العالم المتحضر تباشر مراحل جمع الاستدلالات والتحقيقات الأولية فى سرية تامة – وهو حق لها وفقا للقانون – بعيدا عن الضغوط الإعلامية.
وإذا ما كانت تلك الأجهزة قد نجحت فى فرض الاستقرار وكشف غموض حوادث مماثلة سابقة فعلينا ألا نتعجلها فى عملها أو نشوشر عليها بتحريات الصحف ونعمل على أن يكون هدف النشر الأول طمأنة المواطن وتهدئة روعه بعد هذا الحادث لا تركه يتخبط وسط أخبارا متضاربة وكأننا نريد أن نشغله عن تداعيات الحدث بملابسات الحادث والفارق كبير.
المتاجرة بمعلومات غير مؤكدة والإدلاء بأحاديث وآراء من غير المتخصصين عن هوية مرتكبى الحادث بغض النظر عن النوايا أو الاندفاع وراء غريزة النشر للحصول على السبق الصحفى بأى وسيلة لا ينبغى أن يكون على حساب ثقة المواطن واستقراره بعد ما نجح الإعلام المرئى وقيادات الدولة بالكاد فى الحفاظ على ثباته وهدوئه النفسى.. والاستمرار فى نشر كل ما يرد إلى الصحف من أخبار دون تحقق قد يؤدى إلى صدور قرار بمنع النشر ووقتها سنحجب عن المواطن نافذة يطل منها على بعض ما يطمئنه وسنتركه فريسة للشائعات ثم نبكى على لبن مسكوب أو نتحدث عن نظرية المؤامرة كالمعتاد.!
إن أيا منا إذا بدأ يومه بنبأ غير سار قد يقضى باقى اليوم مهموما أو حزينا فما بالك بشعب بأكمله بدأ عاماً جديداً بمأساة تقترب من الفجيعة إن لم تكن بالفعل.
أرجوكم رفقاً بالمواطنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة