خشى المسئولون القول بأن أصابع القاعدة مغموسة فى حادث القديسين بالإسكندرية، ولا أعرف ما الأسباب التى تدعوهم لعدم البوح بهذا، فكما قال لى أحد الخبراء الأمنيين، إن الأفكار لها أجنحة، فهى تطير فى أسرع وقت ممكن عبر الفضاء الإلكترونى، والأكثر من ذلك أن هذا الخبير الأمنى، الذى رفض ذكر اسمه، لأنه كان مسئولاً عن ملف التطرف فى جهاز أمنى سيادى طوال فترة خدمته، والذى قمنا باستطلاع رأيه فى يناير 2010 ونشرناه فى هذا التاريخ، قال إن هذا العام _ قاصداً 2010_ سيشهد عمليات إرهابية منظمة، وقد كان ولكنها عملية واحدة ربطت عامين باستغراقها دقائق ما بين عامى 2010 و2011 ليذكر لنا الخبير الأمنى مرة أخرى بأن هذه العملية لن تكون الأخيرة، لأن التنظيمات والخلايا التى يتم ضبطها هى الناتج، أى الثمار الذى تفرزه "بذرة" التطرف، الذى لا يظهر للعيان، لأنه مدفون.
وأضاف أقصد "الأفكار"، أما ما تظهر لنا، فهى بشائره فقط، وبالتالى يجب أن نظل متعقبين للجريمة الإرهابية ما دام الفكر الذى ينتهجها موجوداً.
والحقيقة أن العملية الإرهابية بـ"كنيسة القديسين" تشير بأصابع الاتهام القوية جداً إلى فكر تنظيم القاعدة الذى يتبع أسلوبين فى مثل هذه العمليات السيارات المفخخة أو الأشخاص الناسفين، أى الذين يلبسون الأحزمة الناسفة، ولأنهم جربوا فى مصر من قبل السيارات المفخخة فى "طابا ودهب" فلقد أرادوا تجربة الشىء الثانى والملائم لمسرح الجريمة، لأنهم بالتأكيد على دراية كافية بطبيعة المكان وزواره، لأن هذه الكنيسة يأتى لها زوار مسلمون من المنطقة السكنية المحيطة بهم، وأعلم كإسكندرانية أن الأسر المسلمة تذهب وتنير الشموع من أجل "نذور" النجاح أو الشفاء، فهناك مباركات بهذا المكان يؤمن بها المسلمين والمسيحين على السواء من المجتمع السكندرى، إذن دخول أى مسلم ليس موضع شك، فكان الحزام الناسف هو الأكثر ملائمة لمثل هذا المكان.
من هنا نريد وضع خط بأن ذلك الشخص الناسف كان يعلم بوجود مسيحين ومسلمين فى نفس المكان، وأنه لم يستهدف المسيحيين فقط، وإن كانوا بالطبع سيكونون الأغلبية فى هذه المناسبة، وهذا التوقيت، ولذا فأنا لا أفهم سر الغضب العارم للمسيحيين تجاه المسلمين الذين هم أيضا مستهدفون مثلهم تماماً، وأن الناسف هذا لم يكن يعلم سيحصد كم من المسيحيين والمسلمين عندما قام بفعلته، وأيضاً يعلم أنه عندما يضع بذرة الشك فى المسلمين لدى الإخوة المسيحيين فإنه يعلم أيضا أن فى ذلك حصد أرواح مسلمة عن طريق شاحنى التطرف على الجانب الآخر.
إذن النتيجة التى يأملها مرتكبو هذه العملية الإرهابية هو حصد أرواح من الجانبين وزعزعة الثقة والأمن بين الطرفين للإخلال بالاستقرار العام.
ومع هذا أجد أنه كان من الطبيعى جداً استخدام العصى الفسفورية الكاشفة عن المفرقعات والتى يمررها رجال الأمن على المترددين على بعض الأماكن التى تقع فى حيز المستهدفة فى هذا المكان أيضاً، أى كنيسة القديسين، على اعتبار أنها تعرضت لحوادث سابقة، وأضع خطاً آخر تحت التوقع المبدئى الذى صدر من بعض المسئولين الأمنيين على أن الحادث تم بواسطة سيارة مفخخة أسوة بما حدث فى سيناء عامى 2004 و2006 والتى تمت بتحالف بين الحمساويين المتشددين وتنظيم القاعدة، وهو الذى جعل مصر تبدى عدم الارتياح فى عامى 2008 و2009 من تصميم "حماس" على أن تكون طرفاً ضالعاً فى إدارة المعابر وتحكمها فى الإنفاق التى هى البديل غير الشرعى لتلك المعابر، وأرجع الأمن القومى المصرى ذلك إلى قضايا أمنية غاية فى الخطورة على أمن المواطنين المصريين والأجانب فى مصر؛ ليس هذا فحسب، لكن إذا لم يكن الجانب الأمنى المصرى يقظاً فى هذا السياق، لأصبحنا مرتعاً لتنظيم القاعدة عن طريق إخوة حماس، والمعلومات الموثقة والأكيدة والتى سبق وقمنا بنشرها فى يناير 2009 تقول إن موجة عمليات التفجيرات الانتحارية التى حدثت ما بين عامى 2004 و2006 واستهدفت سيناء بشقيها الشمالى والجنوبى "دهب وطابا" كانت من تفكير القاعدة وتنفيذ بعض المتسللين من غزة وضعاف النفوس فى سيناء والتى أسفرت بعد ذلك عن خلية حزب الله التى كانت تريد القيام بعمليات إرهابية فى قناة السويس، إذن نحن على علم كامل بأن مصر مستهدفة وأن مناطق التوتر حولها فى دول المنطقة العربية يجعلها الدولة الأكثر استهدافاً لدورها فى إدارة الملفات الشائكة بالمنطقة.
والكلام السابق ليس من أفكارنا ولكنه موثق وسبق لنا نشره فى حينه، وذلك عندما قامت قيادة كبيرة فى جهاز سيادى فى أواخر عام 2006 باستدعاء وزير الداخلية الفلسطينى وقتذاك، وهو أيضا عضو بارز فى حماس "سعيد صيام" وقرأت عليه صحيفة أدلة لا يرقى إليها الشك، وبالتفصيل الدقيق توضح تورط أعضاء حماس معددة أسماءهم ومحددة تحركاتهم فى أعقاب تفجيرات "دهب" الثلاثة وتوقيف ثلاثة أعضاء من حماس اعترفوا بارتباطهم بالتنظيم المتطرف المعروف بـ"التوحيد والجهاد".
وقد تكرر تطبيق فكر القاعدة مرة أخرى فى عام 2009 بالقاهرة عن طريق جماعة سرية "الولاء والبراء" أو ما عرفت باسم "خلية الزيتون" والتى اعتنق أعضاؤها فكر القاعدة واتخذوا من كتاب "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" لأبى مصعب السورى دستوراً لهم فى عملياتهم وتحركاتهم التى تدعو إلى تكفير الحاكم وإباحة الخروج عليه وتغيير نظام الحكم بالقوة والاعتداء على أفراد الشرطة والسائحين الأجانب والمسيحيين واستحلال أموالهم وأملاكهم واستهداف المنشآت الحيوية والاستراتيجية بالدولة.. إذن لا يجب أن نكون مثل النعام ونخفى رؤوسنا فى الرمال ونخاف القول بأن فكر القاعدة كامن وسوف يظهر لنا من وقت لآخر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة