يمكن لكل واحد منا أن يروى عشرات القصص عن العلاقة الطبيعية بين المسلمين والمسيحيين، وهى قصص حقيقية وواقعية، تشير إلى أن الأغلبية من المصريين نسيج واحد، لكن القتل والصدامات والطائفية تأتى من أشخاص يعيشون بيننا، لايعتقدون فيما نعتقد ولا يؤمنون بما نؤمن ولايرون أن الإسلام والمسيحية وكل العقائد نزلت من أجل سلام البشر وليس من أجل تعاستهم.. وإذا وجدت فى الإسلام والمسيحية آيات السلام سيخرج بعض المتطرفين ليبرروا العداء، وربما لا يدركون أن النار ستلحق بهم وأنها أقرب ما تكون لذيول ملابسهم..
داخل الأغلبية المسلمة قطاع أفسدت الجاهلية رأسه، وأوهمته أنه سيكون أكثر إيمانا إذا مارس العداء ضد أبناء وطنه، لمجرد اختلافهم فى الدين، وهناك من يقنع هؤلاء بأن المسلم فى أقصى الأرض أقرب من الجار فى المنزل والشارع والمدرسة.. وسوف تجد نظراء لهؤلاء فى الطرف الآخر.
وما جرى صباح السبت الدامى فى الإسكندرية يشبه ما جرى ليلة الخميس الدامى فى نجع حمادى، أبرياء سقطوا بعد القداس فى جريمة إرهابية لكنها لا تخلو من بعد طائفى.. فى نجع حمادى ليلة 7 يناير مسلحون هاجموا المصلين الأبرياء أثناء خروجهم من كنيسة العذراء، وأمطروهم بالرصاص من بنادق آلية، والسبت الماضى فى أول دقائق العام الجديد انفجار مزق أجساد أبرياء كنيسة القديسين فى الإسكندرية. الإرهاب من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، يرتدى رداءً واحدًا، ويحمل عقيدة واحدة.. اليد التى أطلقت الرصاص واليد التى فجرت القنبلة آثمة، لكن الأكثر إثمًا هم هؤلاء الذين يقفون وراء الأيدى، من يشحنون أدمغة المجرمين، ويقنعونهم أن قتل الأبرياء يمنحهم مكانة فى الجنة، بينما هم يصنعون الجحيم.
حتى لو كانت جريمة رأس السنة بتخطيط خارجى فوراءها تفكير وتخطيط محلى تلك القنابل التى تنطلق أولا من الرؤوس ومن الأفكار تنفجر قبل أن تتفجر.. سنوات طويلة ونحن نردد شعارنا الأثير الهلال مع الصليب لكن السنوات الأخيرة كلها حملت امتهانًا وعدوانًا على الشعار وعلى الهلال والصليب.. فى الكشح ونجع حمادى وسيدى بشر، وما يستجد..جرائم تثير الغضب، وتكرارها قد يعنى لدى البعض مؤامرة أو رغبة فى زعزعة الاستقرار لكن هذا الاستقرار متزعزع، نعلم أن عموم المصريين مسلمين ومسيحيين شعروا بالحزن، والعار من وقوع هذه الجرائم ضد أبرياء مسالمين، لكن هناك من بين هذه الجموع من يفتقد الشعور بالعار، الشهداء لاشك أن رحيلهم يحرق قلوب أمهاتهم وآبائهم.. هم شهداء للغل والتعصب.
وعندما نتحدث مع معارفنا وأصدقائنا المسيحيين نلمح لديهم قدرًا كبيرًا من التفهم، وعلينا أن نعذر غضب الغاضبين، عندما يصرخون، ويطلبون الثأر، والثأر هنا يجب أن يكون بإعمال القانون، وتحقيق العدالة وأولها القبض على الفاعل ومحاكمته، والفاعل ليس فقط من أطلق النار أو فجر القنابل، وهناك متورطون يصعب الإمساك بهم، يفلتون، مع أنهم الأكثر خطرًا.
ولا يكفى الاعتذار إلى إخواننا المسيحيين عن تصرفات إرهابية، تتجاوز التعصب إلى التآمر، وأن نرتاح بالقول إنها جريمة ضد المصريين، لأن الضحايا هنا مسيحيون فى الأساس، والذى فجر القنبلة ينتمى للمسلمين، حتى يثبت العكس، وربما يقول لنا البعض إن وراء كل هذا مؤامرة، لكن المؤامرات لاتنجح أبدا وحدها، تحتاج متآمرين محليين ينفذون إرادة المتآمرين، ولدينا قطاع من المتعصبين يشكلون فى حد ذاتهم مؤامرة، وعلينا البحث عن الأطراف التى تقف وراء التصعيد والتحريض، وليس الجناة فقط هم من ضغطوا على الزناد أو فجروا القنابل، بل من شحن وخطط وزين لهم أن يقتلوا الأبرياء.. ولا يكفى الكلام الدبلوماسى من شيخ الأزهر ووزير الأوقاف أو من البابا شنودة.. ولا المبادرات العبيطة والزيارات التليفزيونية، بل يجب أن يكون هناك قانون واحد يقتص من الجناة.. ولا يمكن لقوات الأمن المركزى التى تحاصر الكنائس أن تمنع النيران مالم يتم القبض على الجناة وعقابهم.. مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، والكنائس لن تبقى تحت الحصار طوال الوقت، وطالما كان المخططون ومحترفو الشحن مستمرون لايمكن اعتبار البلاد فى أمان.
ونعرف أن جزءًا من الطائفية يرجع إلى شيوع حالة فقدان الأمل لدى قطاعات مختلفة ولأن التطرف يسكن بعض القلوب ومعه سوء الفهم.. فالمسلمون والأقباط يعانون من الفقر والبطالة وتدنى الأحوال، ويشتركون فى معاناة يومية يفترض أن توحدهم، بدلا من أن تفرقهم، لكن سوء الأحوال يدفع البعض لتفريغ غله وحزنه وغضبه فى أخيه من الديانة الأخرى اعتقادًا أنه ينافسه، ولا نعرف لماذا لا يترك الناس العقائد لله ويتفرغون لأن يكون الوطن للجميع... ولا يمكن تبرئة بعض الكبار من الطرفين الذين يشغل كل منهم نفسه بتسفيه دين الآخرين ولا يتفرغ لعقيدته ومشاكل أهل دينه. ولا يحاول مواجهة الظلم والفقر والتعصب.
ولا يمكن فصل كل هذا عن حالة التكلس السياسى والجمود العام وانتهاء صلاحية أشخاص وأوضاع، فأنظمة الانتخابات وممارسة السياسة لاتخلو من تعصب بل إنها تكرس له.. وغياب العدالة والمساواة مع كل المصريين.
نحتاج إلى الاعتراف بالمشكلة قبل أن نفكر فى تقديم مسكنات سرعان ما ينتهى تأثيرها، لتعود الدائرة كما كانت، وقبل أن نفكر فى مؤامرات خارجية.. لينظر كل واحد عن المؤامرة القابلة للانفجار فى بيته أو فى رأسه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة