نهت كل الشرائع السماوية عن قتل الأنفس نهيا قاطعا وتوعد الله عز وجل القاتل بعذاب شديد فى يوم القيامة، وبالقصاص الأليم فى الدنيا. وشددت الشريعة الإسلامية بالاعتراف بحق أصحاب كل الديانات السابقة فى اتباع دينهم، كما أنزله الله عليهم بتطبيق حكم الله، كما نزل على أتباعه قال تعالى عن أتباع اليهودية: (وعندهم التوراة فيها حكم الله)، وقال عز وجل عن النصارى: ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه).
وجاءت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كى تكمل ما قبلها من الرسالات السماوية، فقال الله سبحانه وتعالى للمسلمين: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون). قال عز وجل وهو يأمر عباده وينهاهم عن قتل الأنفس: (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) المائدة 32.
يقول المفسرون فى تفسير هذه الآية الكريمة، إن من حق الفرد أن يعيش آمنا مطمئنا سالما غانما مكفول الحقوق بغض النظر عن عقيدته التى يؤمن بها، وكل من اعتدى على الأنفس فهو معتد أثيم شرير يستحق أن يؤخذ على يده وتطبق عليه أشد العقوبات لتلاقى الجريمة فى نفس كل مجرم القصاص العادل إن هو أقدم على جريمته فى الاعتداء على المسالمين الوادعين الخيرين الطيبين الذين لا يريدون شرا ولا عدوانا، إن قتل نفس واحدة فى غير قصاص لقتل، وفى غير دفع فساد فى الأرض يعد قتل للناس جميعا، لأن كل نفس ككل نفس وحق الحياة واحد ثابت لكل نفس بغض النظر عن عقيدة الأنفس التى قتلت، فقتل واحدة من هذه النفوس هو اعتداء على حق الحياة ذاته، الحق الذى تشترك فيه كل النفوس دون استثناء، لأن أمن الأفراد واستقرارهم ورقيهم وتقدمهم لن يتحقق إلا إذا أمن فيه كل فرد على حياته وروحه من عبث بعض من لا وازع دينى ولا أخلاقى لديه.
ويجب أن يؤخذ هؤلاء بأقسى العقوبات فى الدنيا دون أن تأخذنا رحمة بهم فهم ينشرون الفساد فى الأرض ويقتلون النفس التى حرم الله قتلها، ومهما كان الجزاء الذى يلقاه هؤلاء المفسدين المجرمين فى الدنيا فلن يسقط عنهم العذاب فى الآخرة وسيلقون سعيراً خالدين فيها أبدا جزاء لما أقدموا عليه من قتل الآمنين الأبرياء العزل لا لذنب جنوه إلا ابتغاء تحقيق الفساد فى الأرض، سواء كانوا قد أقدموا على فعلتهم الشنعاء بأنفسهم أو مدفوعين من قبل أيد خفية تبغى نشر الفرقة والفتنة بين أبناء الشعب الواحد والتاريخ المشترك واللغة الواحدة، وقد توعد الله عز وجل فى نفس السورة هؤلاء الكفار القتلة الذين لا يراعون فى الله إلاّ ً ولا ذمة فى يوم القيامة: ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا، ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) المائدة 36.
يقول المفسرون فى تفسير هذا المشهد المهول: إنه مشهد مجسم ذو مناظر متعددة وحركات متواليات، منظر هؤلاء القتلة الأشرار ومعهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه، ومنظرهم وهم يعرضون ما معهم ليفتدوا به من عذاب جهنم.. ثم منظرهم المخزى وهم مخيبو الطلب غير مقبولى الرجاء، ومنظرهم وهم يدخلون النار.. ومنظرهم وهم يحاولون الخروج منها.. ومنظرهم وهم يرغمون على البقاء فيها، جزاء لما اقترفت أيديهم الآثمة من قتل للأنفس البريئة.. ومنظرهم وهم يتركون فى النار خالدين فيها إلى ما لا نهاية جزاء ترويعهم للناس وقتلهم الآمنين المطمئنين فى الدنيا.
لن يكون من أقدم على هذه الجريمة النكراء، التى تقشعر لها الأبدان، مؤمنا أبدا بشرائع الله وكتبه التى حرمت قتل الأنفس البريئة مهما كانت ديانته يهوديا أو مسيحيا أو مسلما، فالدين المسيحى حرم قتل الأنفس، والدين الإسلامى حرم قتل الأنفس بل أمر أتباعه بالسماحة وبحسن معاملة أهل الكتاب الذين قالوا إنا نصارى.
إن عبدة الطاغوت هم كل من يتبعون أهواءهم وأحكامهم التى لا تقوم على شريعة الله عز وجل كى يسببوا البلبلة والفوضى فى المجتمعات الآمنة بغض النظر عما يعتقدون، وبغض النظر عما يدينون به، عبدة الطاغوت هم من يحاكمون الناس حسب أهوائهم خدمة لأعداء السلم والإسلام كى يدنسوا تعاليم الله عز وجل، وليلصقوا بالمسلمين صفات لا تليق بمن كان منهم مؤمناً بتعاليم الإسلام السمحة التى تحرم قتل الأنفس وترويع الآمنين وإرهابهم حتى لو كانوا هوداً أو نصارى، أو حتى بوذيين أو ماركسيين، فليس على المسلم أن يحاكم لا مسلما ولا مسيحيا ولا يهوديا على ما يعتقده ويؤمن به إنما عليه الدعوة إلى الإسلام بالمعاملة الطيبة والأخلاق الكريمة، واتباع ما أمر الله به ليس بإقامة شعائر الدين من الصلاة والصوم فى كل الشرائع، وإنما فى الابتعاد عن الكبائر والفواحش، فمن لم تنهه صلاته وصيامه عن الفحشاء والمنكر لا حاجة لله به إلى صلاته وصيامه ولن تقبل له صلاة أبدا، مسلما أو غير مسلم، وقتل الأنفس ليس فقط من الفحشاء والمنكر بل هو عند الله عز وجل من أكبر الكبائر وأشدها عقوبة فى الدنيا والآخرة.
رحم الله إخواننا شهداء الإسكندرية رحمة واسعة، فقد قتلوا غيلة وغدرا بيد من لا يؤمن بالله ولا بشرائعه السماوية، وقاتل الله قتلتهم الأشرار العملاء الذين يبغون فى الأرض فساداً بغض النظر عن عقائدهم إن كانت لهم عقيدة، وهؤلاء سيلقون عقابهم فى الدنيا بالقصاص منهم أشد القصاص، وسيلقون أشد العذاب يوم الحساب عندما يلقون فى نار جهنم خالدين فيها أبدا لا يخرجون منها إلى أبد الآبدين. والله من وراء القصد.
