انتصرت الولايات المتحدة لمصالحها مع النظام المصرى وسط موجة الغضب التى سادت المدن والمحافظات وجاء موقف الإدارة الأمريكية متخاذلا فى معسكر النظام بتصريحات تحمل فى ظاهرها دعم المتظاهرين وحرية التعبير و تنطوى فى داخلها على حرص وقلق دفين على بقاء نظام يحافظ على مصالحها مع حليفها الابدى فى اسرائيل
ورغم هذا التخاذل، ظهرت بوادر انشقاق واضح داخل الادارة الامريكية فى تعاملها مع ملف الغضب المصرى، ففى الوقت الذى بدا فيه الرئيس الامريكى باراك اوباما هادئا مؤكدا اتصاله بالرئيس مبارك عقب خطابه واخباره بحرص واشنطن على الاستقرار فى مصر، جاء موقف مجلس الشيوخ الامريكى اكثر وضوحا واتساقا مع مطالب المتظاهرين بالشارع المصرى حيث اعتبر رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الشيوخ الامريكى السيناتور جون كيرى ان على مصر ان تختار قائدا جديدا لها هذا العام عبر انتخابات حرة نزيهه وديمقراطية عندما يحين وقت اختيار قائد جديد للبلاد فى وقت لاحق من هذه السنة" فى اشارة الى الانتخابات الرئاسية المقررة
كما انكشف التخاذل الامريكى فى تناوله لأحداث الغضب فى الشارع المصرى بالتركيز على دعوات للإصلاح وتجنب العنف متجاهلا المتظاهرين الذين ملئوا سمع وبصر العالم بنداء "الشعب يريد إسقاط النظام" واكتفت واشنطن بالتعبير عن قلق بالغ من استخدام الشرطة العنف ضد المتظاهرين واعتبرت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون الاحتجاجات مجرد فرصة "للحكومة المصرية" لتلبية طموحات شعبها داعية إلى "انخراط وحوار" فورى بين القيادة و الشعب لتطبيق الإصلاحات ووجهت كلينتون فى بيان رسمى دعوة إلى القاهرة "للانخراط فورا مع الشعب لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية اللازمة" قبل ان تشدد على ان "مصر شريك قوى" قائلة "كشركاء لمصر نحضها على بذل كل ما فى وسعها لفرض قيود على قوات الأمن وعدم الاستعجال فى فرض إجراءات صارمة قد تكون عنيفة" داعية الى رفع القيود عن شبكات الاتصالات والانترنت
وتجاهلت الادارة الامريكية التفاعل فى تصريحاتها مع ما تفجرت عنه تظاهرات جمعة الغضب فى غالبية المحافظات والمدن وارتفاع سقف المطالب من مجرد اصلاح سياسى و اقتصادى الى حد تغيير النظام الحاكم بالكامل
واتضحت حالة الارتباك التى هيمنت على الادارة الامريكية بتصريح فيليب كراولى المتحدث باسم وزارة الخارجية فى رسالة على موقع تويتر ان "الاحداث فى مصر تثير القلق البالغ" فيما يعد احد ابرز التعليقات التى تكشف الانزعاج الامريكى من تردى الاوضاع فى الداخل المصرى وما يمكن ان تعكسه من تبعات على السياسة الخارجية للبلاد وقال كراولى "يجب احترام الحقوق السياسية وتجنب العنف والسماح بالاتصالات المفتوحة"
ولم يختلف موقف الرئيس الامريكى "باراك اوباما" كثيرا فى مهادنته للنظام والحرص على لهجة متخاذلة فى تناول الغضب الشعبى فى كافة محافظات ومدن مصر واعرب عن تعاطفه مع المتظاهرين داعيا الرئيس مبارك الذى وصفه "بالمتعاون جدا مع واشنطن" فى سلسلة من القضايا الصعبة الى اجراء إصلاحات سياسية واقتصادية مهمة للغاية"
ورغم سخونة الاحداث الا ان الرد الامريكى حافظ على شعرة معاوية مع النظام المصرى تحسبا لنصر يحرزه الشعب وما يمكن ان يترتب عليه من اسقاط النظام ورفع سقف الطموحات والمطالب الى تغيير فى السياسة الخارجية للبلاد رغم عدم اعلان او اهتمام المتظاهرين بذلك فى مسيراتهم التى اكتاحت مدن وعواصم المحافظات حيث ركزوا على اصلاحات سياسية و اقتصادية فى المقام الاول الا ان الامر لا يمنع من انسحاب تلك المطالب الى تغيير كامل فى السياسة الخارجية ربما تاتى فى مقدمتها اتفاقية السلام التى يرى البعض انها لم تحقق نتائجها المنشودة على المستوى العربى باعطائها الفرصة لمزيد من الغطرسة الاسرائيلية على ارض الواقع بمواصلة تل ابيب مشاريعها الاستيطانية و مماطلتها فى اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية القلق الامريكى لم ياتى من فراغ فى ظل الحيرة التى تعيشها الادارة الامريكية بين خيارين لم ينجحا حتى الان فى ادارة مصالحها بمنطقة الشرق الاوسط سواء خيار الحفاظ على الاستقرار بدعم الانظمة الحاكمة مهما بلغت درجة استبدادها بالشعوب او التغيير من خلال الحروب والفوضى، ومع فشل الخيار الثانى الذى انتهجته واشنطن فى سوريا ولبنان وايران جاءت التجربة التونسية وبعدها المصرية لتضع واشنطن فى مازق حيث اثبتت الشعوب ان لديها القدرة على دحر تلك الانظمة المستبدة مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية
فشلت واشنطن فى استقطاب التعاطف المصرى بالتزامها بنظرية إمساك العصا من المنتصف لحين ان تثبت غلبة طرف على اخر فى المواجهة ما بين النظام و الشعب الذى خرج فى حشود غاضبة يطالب فى صوت واحد "الشعب يريد اسقاط النظام" و تعمدت الادارة الامريكية ان تصم اذانها عن هذا النداء لا لشئ سوى حرصها من هاجس قدوم نظام جديد ينسف معاهدة السلام بما يهدد مستقبل حليفها فى اسرائيل
قال الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن انحياز الولايات المتحدة لمعسكر النظام المصرى خلال مظاهرات الغضب تاتى من كونه أحد دعائم السياسة الأمريكية والإسرائيلية فى المنطقة ويعنى سقوطه فقدان أحد تلك الدعائم الرئيسية.
وأوضح نافعة أن الثورة المصرية التى يحملها أبنائها جاءت ضد سياسات النظام الحاكم وبالتالى ضد السياسات الأمريكية والإسرائيلية التى تمارس فى مصر والمنطقة بشكل غير علنى، مشيرا إلى أن التدهور الذى أصاب العالم العربى كان بسبب شلل الحالة المصرية وانحيازها للسياسات الأمريكية، مشيرا إلى أن ما يحدث الآن فى مصر سيغير خريطة ومعادلة الشرق الأوسط بالكامل.
من جهة أخرى، قال الدكتور حسن وجيه أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الأزهر أن الموقف الأمريكى من مظاهرات الغضب فى الشارع المصرى لم تتضح ملامحه حتى الآن ولا نعرف إذا ما كان مع معسكر النظام أم الشعب، فالحكومة الأمريكية كما هو معروف عنها سياسيا تمسك بالعصى من النصف خاصة أيام الأزمات والكوارث حتى تضمن كل الأطراف فى صالحها، وهناك مفارقة واضحة بإعلان أمريكا تضامنها مع الشعب المصرى ورحيل النظام، ومطالبتها الحكومة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية من أجل الشعب .
وأوضح وجيه أن الموقف الأمريكى المزدوج من أحداث مصر يتجلى فى خطاب الرئيس الأمريكى باراك اوباما، فقد طالب بفتح الانترنت وشبكات الموبايل واحترام حقوق الإنسان فى التعبير عن رأيه دون تقييد، ولكن المتأمل للخطاب يجد فى نهايته جملة غامضة تثير القلق تجاه الموقف الأمريكى وهى"أن أمريكا تنظر وتعييد الاعتبار فى المعونة الأمريكية" وهذا يعتبر نوع من الضغط الذى تمارسه أمريكا على الشعب المصرى والحكومة أيضا ربما لتنفيذ أجندة سياسية معينة داخل مصر.
بينما أكدت الدكتورة نهى بكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن الخطاب الأمريكى سواء للرئيس أوباما أو وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون جاء متوازن ويحترم رغبة الشعب المصرى، معلنا وقوفه فى صف التغيير الذى يطالب به المصريين، كما أكد الخطاب على احترام حقوق الإنسان و منها حرية إبداء الرأى والتعبير دون قيود أو كبت للحريات وفتح شبكات التليفونات الجوالة والانترنت لفتح الفرصة أما الشباب وفئات المجتمع المختلفة للتعبير عن رأيهم.
وترى د.نهى أن أمريكا تفعل ذلك لأن ما يهمها هو ما يخدم مصالحها خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمصالحها داخل بلد فى أهمية مصر، لذلك فإن أمريكا حريصة على عدم وجود عدوات فى الوقت الحالي سواء مع الشعب أو الحكومة، ولا ينفى رفض الإدارة الأمريكية لسياسة النظام المصرى الحالى لكنه يقف على الحياد بعد الدرس الذى تعلمه من التجربة التونسية التى انتصر فيها الشعب على النظام الحاكم.
انشقاق داخل الحزب الديمقراطى و السيناتور "كيرى" عارض "اوباما" وطالب برحيل النظام وقطع المعونات
خبراء: واشنطن حافظت على شعرة معاوية مع النظام من اجل كامب ديفيد
الأحد، 30 يناير 2011 07:06 م
اوباما
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة