مصطفى الجارحى

الآن.. اطلبوا الرحمة من الشعب

الأحد، 30 يناير 2011 06:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحيا مصر.. نعم.. الأمر يفوق حد الخرافة.. والحكاية أكبر وأعقد من أن يستوعبها عقل.. الجبابرة اعتمدوا سياسة التخويف.. ألقوا بذور الخوف فى نفوس الناس.. راهنوا على ثمار جنية.. أدخلوهم عنوة فى دوائر لا منتهية أهمها الدوامة اليائسة لتأمين قوت أبنائهم.. ولم يكن الناس سوى رمال تتحمل دهس أقدامهم لسنوات.. هكذا لم يستوعب الأغبياء أن تلك الرمال متحركة.. سرعان ما ابتلعتهم جملة واحدة بالرغم من الجريمة الدولية التى أضافوها لجرائمهم بقطع الإنترنت وشبكات المحمول لعزل الشعب عن الشعب.. والآن سأقاضى "فودافون".
سرنا من مسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسين.. ولم أكن أعلم أن أبنائى فى شبرا يدافعون عن وجودهم فى ذات اللحظة بعد أن وصل الغاز المسيل للدموع إليهم وهم داخل منزلهم.. من مسجد الحاميدية الشاذلية اتجهنا إلى مسجد مصطفى محمود القريب.. ثم شقت المظاهرة شارع البطل أحمد عبد العزيز حتى ميدان الدقى ومن ثم شارع التحرير.. هنا بالتحديد بدأت قوات الأمن المركزى تضربنا بالقنابل المسيلة للدموع.. تمركزوا على كوبرى الجلاء.. قدم الشباب والفتيات بطولات تفوق الوصف لكسر الطوق الأمنى.. عزل من كل شئ سوى زجاجات الخل والبيبسى.. الأمن أشعل النار ببناية أمام فندق شيراتون.. لحظات واشتعلت سيارة للأمن المركزى.. بعد كر وفر سمحوا لنا بالمرور.. عن يميننا كان ثمة كمين لرجال قسم شرطة الدقى مع أول صدام فروا من أمام المظاهرة.. عبرنا كوبرى الجلاء.. ثمة عسكرى أمن مركزى بملامح طفل يجلس باكياً على سور حديقة الأورمان.. كل من مر على الجندى الطفل هدأ من روعه وطمأنه.. بعد لحظات كنا نتلقى القنابل والضرب بالهراوات من عساكر آخرين تمترسوا على كوبرى قصر النيل.. هنا اشتدت الضربات وهنا سقط الكثيرون منا وغطت الدماء وجوههم.. لكنهم ألهبوا حماسنا وهم يصرخون فينا كى نتقدم.. دافعوا عن كوبرى قصر النيل بقوة وشراسة.. اتجهنا بمسرتنا السلمية تجاه نادى الفروسية ثم إلى منطقة الزمالك.. صعدنا كوبرى 15 مايو وانضمت إلينا مظاهرة الزمالك.. وسط محاولات الكر والفر من أعلى الكوبرى كنت أشاهد الدخان يتصاعد على الكورنيش أمام وكالة البلح.. كان عدد الجنود قليلاً لكنهم سريعوا الطلقات على غير العادة.. هنا جاء أتوبيس سياحى وقرر سائقه اقتحام الطوق الأمنى.. المئات هرعوا خلفه واتخذوه ساتراً.. فشل البعض وأنا منهم.. ونجح آخرون فى الانضمام لمظاهرة الكورنيش.. فجأة هتف المتظاهرون "البلطجية أهم".. رأيت الكثيرين منهم يتقدمون الجنود ويقذفوننا بالحجارة.. عادت المسيرة حتى ميدان سفنكس.. عن يميننا كانت الأدخنة تتصاعد من ميدان الكيت كات.. هنا يبدو الأمر مختلفاً.. تم تكسير واجهات المحال التجارية.. شباب فى عمر الـ15 فيما فوق يشعلون النار فى الإطارات.. ماكينات التصوير ملقاة فى كل مكان.. حزنت نعم.. وسرعان ما تلاشى الحزن.. بعد حوالى ساعتين عدت تجاه مبنى التليفزيون.. كل سيارات الأمن محترقة الآن.. النار ما زالت مشتعلة فة مقر المقر الرئيسى للحزب الوطنى.. سيارت الأمن المركزى مشتعلة على طول شارع رمسيس.. النار بقسم الأزبكية.. عبرت نفق شبرا.. النار فى نقطة شبرا.. سيارت الأمن المركزى ما زالت النار فى إطاراتها.. قطعت شارع الترعة حتى خلوصى.. ومنه إلى الدوران.. قسم شرطة شبرا الذى أعيد بناؤه تم تحطيمه تماماً.. لم يشعلوا فيه النار لأنه ملاصق لكنيسة سانتا تريز.. على ناصية شارع راتب الشهير والذى أسكنه وجدت ابنى نديم.. هنا أطنان من الزجاج تفترش الشارع.. أخبرنى أن الأمن دخل الشارع وأطلق القنابل فهب السكان للدفاع عن أطفالهم مستخدمين زجاجات الكولا.. حتى أجبروهم على الانسحاب.. تابعت ما يحدث فى برامج التليفزيون.. واستسلمت لنعاس ممنياً نفسى بصباح جديد.
ربع قرن بذلته من عمرى أناضل من أجل التغيير.. لم تكسرنا حتى تهديدات الأهل بحجة خوفهم علينا.. الأصدقاء سخروا من محاولاتنا.. لكن الأغبياء كلما زاد طغيانهم كلما عجلوا بنهايتهم وأعطونا مبرراً لعدم اليأس.. الآن يأتينى صوت أمى عبر الهاتف محذراً كالعادة لكنه فرح بالتأكيد.. والآن أيضاً الأصدقاء سبقونى إلى الميدان.. تعانقت أحضاننا وبحات أصواتنا.. أبنائى لم ينتظروا إذناً منى وكانوا أيضاً هناك.. الكل يهتف بإسقاط النظام.. الكل تحرر من الخوف.. هم وحدهم خائفون الآن يرتجفون فى جحورهم.
الأغبياء استنفدوا جميع الفرص.. وظلوا يخدروننا بفرصة إصلاح لم تأتِ حتى الآن.. الأباطرة الأغبياء فعلوا ما لم يخطر على بال إنس ولا جن.. لم يتركوا حتى الأكسجين للشعب.. تلذذوا بتعذيبه وبقهره.. تجبروا وتكبروا كما لو كانوا آلهة بيدهم الملكوت والرهبوت.
الآن لا خوف.. ومستقبلاً يفشل من يعتمد سياسة التخويف.. الآن فقط انهارت حتى فكرة التوريث التى سخروا كل إمكانات الدولة لتنفيذها.. منذ يوم الغضب حاربوا العُزَّل بكل شئ: الهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى والرصاص الحى.. لم يدركوا أنهم يلفون الحبل حول رقابهم.. فكل من سعل جراء استنشاق الغاز أصبح لديه ثأر عندهم.. هم الآن تحت رحمة الشعب.. والشعب وحده بيده أمر مصائرهم.
تسألون إذن عن الفوضى.. عن التخريب.. عن النهب والسرقات.. وماذا تنتظرون من شعب تفننوا فى تجويعه ؟! تسألون لماذا خرج الأطفال والنساء.. وماذا تبقى لهم فى البيوت غير أبخرة الغاز الخانقة ؟! كل من هتف بإسقاط النظام بداخله بطل بالتأكيد.. تأخر كثيراً فى الخروج.. صحيح.. لكنه خرج وساهم فى تغيير الأوضاع.. أيها الفاسدون المفسدون فى الأرض اطلبوا الرحمة من الشعب.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة