الحزن والغضب مشروعان، وتظاهر الأخوة الأقباط فى الكنائس والشوارع مشروع أيضا، ليس فقط لأنه تعبير عن حالة حزن وغضب عارمة عقب العملية الإرهابية التى وقعت أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، وإنما أيضا لأن حرية التعبير هى أحد الحقوق الأساسية للمواطنين، يجب احترامها وتأكيدها، أيا كانت بواعثها.
وفى كل الأحوال يجب ترشيد الغضب القبطى فى هذه المرحلة ليتحول من عملية انفعالية إلى غضب منظم، يوصل رسالة حقيقية، ويحقق مطالب مشروعة للمحتجين، ورغم أن ما يحدث قد يكون احتجاجات عفوية، لكن القراءة السياسية له تقول إن أى احتجاج يستهدف فى النهاية تحقيق عدد من المطالب التى يطالب بها المحتجون.
وفى تصورى أن الغضب القبطى من العملية الإرهابية يجب تحويله إلى ضغط منظم يستهدف التأثير على القرار السياسى والتشريعى فى هذه المرحلة لإنجاز مشروع قانون تأخر كثيراً جدا، وهو قانون دور العبادة الموحد، لوضع قواعد واحدة لبناء المساجد والكنائس دون تمييز إو إبطاء أو حتى عراقيل.
الحق فى العبادة هو أحد الحقوق الأساسية فى الدستور المصرى، والإعلان العالمى لحقوق الإنسان، لكن القانون لا يعبر عن الدستور تعبيرا دقيقا فى هذه الجزئية التى تمثل مدخلا دائما للفتنة، وإذا عدنا إلى كل الأحداث الطائفية التى شهدتها مصر منذ السبعينيات سنجد معظمها يتركز حول بناء الكنائس.
نحتاج فى مصر إلى تشريع آخر غاية فى الأهمية، وهو قانون منع التمييز، وميزة هذا القانون إذا تم الضغط لإقراره لأنه يواجه كل حالات التمييز التى يعيشها المصريون، فالأقباط يشعرون بالتمييز فى الوظائف العامة، وهناك تمييز وتفضيل فى التنمية والإنفاق الحكومى بين العاصمة وأطراف الوطن، وهناك تمييز بين الذكر والأنثى.. وغيرها من الأمور التى تضرب المواطنة وهى بند أساسى فى الدستور أيضا.
وكنت أتصور أن الأقباط الغاضبين من هذه الحادثة الإرهابية سيرفعون لافتات تطالب بحرية بناء الكنائس، أو القضاء على التمييز فى الوظائف العامة، وفى هذا الجو المشحون بالألم، ومع تضامن الأحزاب والمنظمات الأهلية، والمواطنون العاديون يمكن للاحتجاجات أن تثمر وأن تؤدى إلى تبديل ما نريد تغييره جميعا.
لكن بعض الغضب غير المنضبط من شأنه إحداث تأثيرات سلبية، وفقد الكثير من مناطق التعاطف المتسعة، ومن حالة التوحد التى يعيشها المصريون الآن، فعلى سبيل المثال أخطأ المحتجون فى الكتدارئية حينما حاولوا الاعتداء على شيخ الأزهر بعد خروجه من الكتدرائية إثر تقديمه واجب العزاء فى ضحايا عملية الإسكندرية الإرهابية.. ورغم أن شيخ الأزهر قال إنه يتفهم دواعى الغضب لدى المحتجين، فإن هناك رسائل أخرى وصلت إلى المواطنين، أهمها أن شيخ الأزهر رجل معتدل، وهو يمثل الإسلام الوسطى ويدعو إلى التعايش، ويؤمن بالمواطنة الكاملة القائمة على تساوى الحقوق والواجبات بين جميع أبناء الوطن.. كما أن شيخ الأزهر ليس له علاقة من قريب أو من بعيد بمن نفذ عملية الإسكندرية الإرهابية، إضافة إلى أن الرجل كان فى واجب عزاء.. وقد جبل المصريون على احترام وتأمين من يأتى إليهم فى بيوتهم.
محاولة الاعتداء على شيخ الأزهر حتى ولو كانت من شباب غاضب أو من نفر قليل نقلتها وسائل إعلام العالمية، صحيح أننا فى مصر لم نركز عليها لكنها وصلت إلى جميع الناس الذين يعتبرون شيخ الأزهر مرجعيتهم الدينية الأولى.. وبالطبع تركت تأثيرات سلبية لدى البعض.
وفى تصورى أن ما تعيشه مصر الآن هو أخطر أزمة فى تاريخها الحديث، وتكاد تعيد أجواء التسعينيات، حينما كنا نستيقظ من نومنا ونتسأل أين سيضرب الإرهاب اليوم؟.. وأخشى أننا مقبلون على نفس الأجواء.. وبينما كنا نتعامل فى التسعينيات مع الإرهاب على أنه يستهدف الوطن كله.. أصبح البعض يتعامل معه باعتباره موجهاً إلى طائفة بعينها، دون أن يضعوا فى اعتبارهم أن الوطن بكل ما فيه سيدفع الثمن اليوم فى الأرواح، وغداً فى الأمن والاستقرار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة